لنا وجوه : الأوّل ـ أنّا نقطع بأنّ السيد إذا قال لعبده : «إفعل كذا» فلم يفعل ، عدّ عاصيا وذمّه العقلاء معلّلين حسن ذمّه بمجرّد ترك الامتثال ، وهو معنى الوجوب.
لا يقال : القرائن على إرادة الوجوب في مثله موجودة غالبا ، فلعلّه إنما يفهم منها ، لا من مجرّد الأمر.
لأنّا نقول : المفروض فيما ذكرناه انتفاء القرائن ، فليقدّر كذلك ، لو كانت في الواقع موجودة. فالوجدان يشهد ببقاء الذمّ حينئذ عرفا. وبضميمة أصالة عدم النقل إلى ذلك يتمّ المطلوب.
الثاني ـ قوله تعالى مخاطبا لابليس : (ما مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ). والمراد بالأمر : «اسجدوا» في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ : اسْجُدُوا لِآدَمَ ؛ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ) ؛ فانّ هذا الاستفهام ليس على حقيقته ، لعلمه سبحانه بالمانع ، وإنّما هو في معرض الانكار والاعتراض ، ولو لا أنّ صيغة «اسجدوا» للوجوب لما كان متوجّها.
الثالث ـ قوله تعالى : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) ، حيث هدّد سبحانه مخالف الأمر ، والتهديد دليل الوجوب.
فان قيل : الآية إنّما دلّت على أنّ مخالف الأمر مأمور بالحذر ، ولا دلالة في ذلك على وجوبه إلّا بتقدير كون الأمر للوجوب ، وهو عين المتنازع فيه.
قلنا : هذا الأمر للايجاب والالزام قطعا ؛ إذ لا معنى لندب الحذر عن العذاب أو إباحته. ومع التنزّل ، فلا أقلّ من دلالته على حسن الحذر حينئذ. ولا ريب أنّه إنّما يحسن عند قيام المقتضى للعذاب ؛ إذ لو لم يوجد المقتضي ، لكان الحذر عنه سفها وعبثا. وذلك محال على الله سبحانه. وإذا ثبت وجود المقتضي ، ثبت أنّ الامر للوجوب ، لأنّ