المقتضي للعذاب هو مخالفة الواجب ، لا المندوب.
فان قيل : هذا الاستدلال مبنيّ على أنّ المراد بمخالفة الأمر ترك المأمور به ، وليس كذلك. بل المراد بها حمله على ما يخالفه بأن يكون للوجوب أو الندب ، فيحمل على غيره.
قلنا : المتبادر إلى الفهم من المخالفة هو ترك الامتثال والاتيان بالمأمور به. وأمّا المعنى الذي ذكرتموه فبعيد عن الفهم ، غير متبادر عند إطلاق اللفظ ؛ فلا يصار إليه إلّا بدليل. وكأنّها في الآية اعتبرت متضمّنة معنى الإعراض ، فعدّيت ب «عن».
فان قيل : قوله في الآية : «عن أمره» ، مطلق فلا يعمّ ، والمدّعى إفادته الوجوب في جميع الأوامر بطريق العموم.
قلنا : إضافة المصدر عند عدم العهد للعموم ، مثل «ضرب زيد» و «أكل عمرو». وآية ذلك جواز الاستثناء منه ، فانّه يصحّ أن يقال في الآية : فليحذر الذين يخالفون عن أمره إلّا الأمر الفلانيّ. على أنّ الاطلاق كاف في المطلوب ؛ إذ لو كان حقيقة في غير الوجوب أيضا ، لم يحسن الذمّ والوعيد والتهديد على مخالفة مطلق الأمر.
الرابع : قوله تعالى : (وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) ؛ فانّه سبحانه ذمّهم على مخالفتهم للأمر ، ولو لا أنّه للوجوب لم يتوجّه الذمّ.
وقد اعترض أوّلا بمنع كون الذمّ على ترك المأمور به ، بل على تكذيب الرسل في التبليغ ، بدليل قوله تعالى : (فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
وثانيا : بأنّ الصيغة تفيد الوجوب عند انضمام القرينة إليها إجماعا ، فلعلّ الأمر بالركوع كان مقترنا بما يقتضي كونه للوجوب.
وأجيب عن الأوّل : بأنّ المكذّبين إمّا أن يكونوا هم الذين لم يركعوا عقيب أمرهم به ، أو غيرهم. فان كان الاوّل ، جاز أن يستحقّوا الذمّ بترك الركوع ، والويل بواسطة التكذيب ، فانّ الكفّار عندنا معاقبون