مع الخلوّ عن اعتبار العلوّ فيما إذا كان المتكلّم عاليا بحسب الواقع. نعم لا بدّ في إطلاق الأمر عليه من ملاحظة العلوّ على أحد الوجهين.
حجّة القائل باعتبار الاستعلاء أنّ من قال لغيره : «افعل» على سبيل الاستعلاء يقال : إنّه أمره ، ومن قال لغيره : «افعل» على سبيل التضرّع لم يصدق ذلك وإن كان أعلى وأنّهم فرّقوا بين الأمر والالتماس والدعاء بأنّه إن كان الطلب على سبيل الاستعلاء كان أمرا الى آخر ما ذكروه ، مضافا الى ما عرفت من إسناده الى الأكثر ونقل الاتّفاق عليه.
وأنت خبير بأنّ الأوّل لا ينافي ما ادّعيناه ، وما حكي عنهم من اعتبار الاستعلاء في الأمر ممنوع ، بل يظهر من بعضهم في حكاية الفرق بين الامور المذكورة كون الفارق عندهم علوّ الرتبة ومساواتها وانخفاضها ، كما هو الظاهر ممّا سيجيء في دليل القائلين بكون الأمر للندب.
والحاصل : أنّه ليس هناك نقل مضبوط في المقام ليصحّ التعويل عليه ، والحقّ أنّ الفارق بينها هو ما بيّناه كما هو الظاهر من العرف ، وحمل ما نقل عنهم على ذلك غير بعيد.
ودعوى الاتّفاق في المقام بيّن الوهن ، وملاحظة العرف أقوى شاهد على فسادها.
حجّة القائل باعتبار العلوّ أنّه يستقبح أن يقال : «أمرت الأمير» ولا يستقبح أن يقال : «سألته» ولو لا أنّ الرتبة معتبرة في ذلك لما كان كذلك ، وربما يتمسّك لذلك بجعلهم الرتبة فارقة بين الأمر وقرينيه.
وقد عرفت ضعف الأخير.
ويرد على الأوّل أنّ الاستقباح قد يكون من جهة نفس الاستعمال بحسب اللغة ، وقد يكون من جهة قبح ما يدلّ عليه اللفظ بحسب العرف نظرا الى خصوصية المقام ، والشاهد على الخروج عن الوضع إنّما هو الأوّل دون الثاني.
فإن اريد بالاستقباح المدّعى ذلك كان ممنوعا بل هو على إطلاقه فاسد قطعا ،