الوجوه الثلاثة ، وأيّا ما كان يمكن بلوغها الى الحدّ المذكور وإن اختلفت درجات الشهرة بحسب اختلاف الوجوه المذكورة ، فظهر بذلك اندفاع الإيراد المذكور.
وأبين منه في الاندفاع ما في كلام الفاضل المدقّق من إلحاق الدليل المنفصل القاضي بإرادة الندب بالقرينة المتّصلة ، حيث جعل دلالة أحد الحديثين المتعارضين في الظاهر على كون المراد من الآخر معناه المجازي من قبيل القرائن المتّصلة القائمة على ذلك في عدم البعث على صرف اللفظ اليه أو الوقف بينه وبين الحقيقة مع حصول الشيوع والغلبة.
وأنت خبير بأنّه مع البناء على ذلك يلزم امتناع حصول المجاز المشهور ، بل النقل الحاصل من الغلبة ، ضرورة أنّ استعمال اللفظ في المعنى المجازي إنّما يكون مع القرينة المتّصلة أو المنفصلة ، إذ بدونها لا يحمل اللفظ إلّا على معناه الحقيقي ، والمفروض أنّ الغلبة الحاصلة بأيّ من الوجهين المذكورين لا يقضي بمساواة المجاز للحقيقة أو ترجيحه عليها ولو بملاحظة تلك الشهرة ، فكيف يحصل المجاز المشهور أو النقل على الوجه المذكور؟
هذا ، وأمّا البناء على الاستحباب من جهة ضعف الرواية وقصورها عن إثبات الوجوب للتسامح في أدلّة السنن فممّا لا ربط له بالمقام ، وكذا حمل الرواية على الندب عند التعارض بمجرّد ترجيح إعمال الدليلين على طرح أحدهما من غير أن يحصل هناك فهم عرفي يقضي بذلك ـ كما ذهب اليه البعض ـ فذكر ذلك في المقام ليس على ما ينبغي ، لوضوح خروجه عن محلّ الكلام ؛ إذ ليس شيء من ذلك قرينة متّصلة ولا منفصلة على إرادة الندب من اللفظ ، والمفروض في كلام المصنف رحمهالله شيوع استعمال الأوامر في الندب وأين ذلك ممّا ذكر؟.
ثمّ إنّه قد وافق المصنّف رحمهالله في الدعوى المذكورة جماعة من أجلّة المتأخّرين كصاحب المدارك والذخيرة والمشارق لكن لا يخفى أنّ الدعوى المذكورة لا بيّنة ولا مبيّنة ، ومجرّد حصول الغلبة في الجملة على فرض تحقّقها لا يقضي بذلك.