على ظهور الإضافة هنا في العهد (١) حسب ما مرّت الإشارة إليه ، وحينئذ فلا حاجة إلى ضمّ التفصيليّة. ويعضده أنّه لا يقال عرفا لمن أخذ المسألة عن التقليد : إنّه عرفها بالدليل ، بل يجعل المعرفة على جهة التقليد مقابلا للأخذ عن الدليل كما لا يخفى ، فحينئذ يتّجه كون التقييد بالتفصيلية توضيحيّا.
قال بعض أفاضل العصر : إنّه يمكن أن يكون قيد «التفصيلية» لإخراج الأدلّة الإجماليّة ؛ لأنّ ثبوت الأحكام في الجملة من ضروريّات الدين ، فما دلّ على ثبوت الأحكام إجمالا من الضرورة وغيرها ـ مثل عمومات الآيات والأخبار الدالّة على ثبوت التكاليف إجمالا ـ أدلّة ، لكن إجمالا لا تفصيلا ، وهذا لا يسمّى فقها ، بل الفقه هو معرفة تلك الأحكام الإجماليّة عن الأدلّة التفصيليّة.
وفيه : أنّ الظاهر من العلم بالأحكام هو المعرفة بآحادها على سبيل التفصيل ، إذ لا يعدّ ما ذكره علما بالأحكام ؛ وأيضا العلم بالأحكام على وجه الإجمال حاصل من الضرورة كما نصّ عليه ، وليس العلم الحاصل منها [علما](٢) حاصلا من الدليل.
ومن العجيب! أنّه نصّ سابقا بخروج الضروريّات عن الفقه بقولهم : «عن أدلّتها» معلّلا بأنّه لا يسمّى العلم الحاصل منها علما محصّلا من الدليل ، ومع ذلك ذكر في المقام ما حكيناه ؛ وأعجب من ذلك! تعجّبه من فحول العلماء أنّهم كيف غفلوا عن ذلك ، ولم يسبقه إلى ما ذكره أحد فيما يعلم.
قوله : (يعلم بالضرورة أنّ ذلك الحكم المعيّن ... الخ)
قد يقال في المقام : إنّ الدليل المذكور ليس دليلا لعلم المقلّد بالحكم ، وإنّما هو دليل على جواز عمله به ووجوب الأخذ به وكونه حجّة عليه ، كما أنّ للمجتهد نظيره أيضا ، فليس للمقلّد إذا علم بالأحكام الشرعية ، وليس هناك دليل إجمالي يفيده العلم بها حتّى يقال بخروجه بالقيد المذكور.
__________________
(١) ولا ينافيه ما مرّ من كون الإضافة جنسيّة ، فإنّ المقصود منه إرادة جنس المعهود ، فتأمّل. (منه رحمهالله).
(٢) من المطبوع [١].