ولا يخفى عليك : أنّ المقام يفارق عن مورد دوران الأمر بين الأقلّ والأكثر بلا كلام ، حيث لا يكون هناك علم إجماليّ إلّا بوجه صوريّ ، بل الموجود هناك ليس إلّا احتمال اعتبار شيء في المأمور به ، وهذا هو الشّكّ البدويّ المحض فيكون مجرى للبراءة ، لا الاحتياط وقاعدة اشتغال الذّمّة ، وهذا بخلاف المقام ، كما عرفت.
والقول بالبراءة في المقام ، بتقريب : أنّ العلم الإجماليّ باعتبار شيء في المأمور به ـ إمّا بوجوده شطرا أو شرطا ، أو بعدمه مانعا أو قاطعا ـ لا أثر له ، لعدم التّمكن حينئذ من المخالفة العمليّة ، حيث يدور الأمر بين الفعل والتّرك ، فلم يبق في البين إلّا الشّكّ ومجرّد الاحتمال في الاعتبار ، وهذا هو مجرى للبراءة الّتي تقتضي التّخيير ؛ ممنوع بما مرّ من أنّ المأمور به الواجب في الفرض هو طبيعيّ الصّلاة الّذي له أفراد طوليّة ، وحيث إنّ الموافقة القطعيّة بتكرار العمل ، كالمخالفة القطعيّة بتركه رأسا ممكنة ، فلا مانع من تنجّز العلم الإجماليّ المستدعي لوجوب الاحتياط.
نعم ، لا يتمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة في الفرد الخارجيّ والمصداق العينيّ من الصّلاة المفروض وجوده وتحقّقه ، لاستحالة ارتفاع النّقيضين ، لكن هذا لا ينافي تنجيز ما أشرنا إليه من العلم الإجماليّ بعد تمكّن المكلّف من المخالفة القطعيّة بالنّسبة إلى ما هو الواجب وهو طبيعيّ الصّلاة المأمور به ؛ إذ المعيار للتّمكّن من المخالفة وعدمه إنّما هو الواجب المأمور به الّذي يكون متعلّق الأمر ومصبّ ثبوته ، لا الفرد المفروض تحقّقه في الخارج.
وقد انقدح ممّا ذكرناه ، أنّ قياس المقام ـ الّذي يكون العلم بالاعتبار مفروغا عنه والشّكّ إنّما هو في المعتبر ، وأنّه هل هو وجود الشّيء أو عدمه ـ بالشّكّ بين