ليس معناها هو رفع الهيئة الاتّصاليّة ، بل هو عبارة عن الحلّ والهدم ، غاية الأمر ، لا بدّ أن يكون المنقوض أمرا مبرما مستحكما ، سواء كان حسيّا ، ماديّا ، كالحبل والغزل ونحوهما ممّا يكون ذا هيئة اتّصاليّة ، أو مجرّدا نفسيّا ، كاليمين أو العهد أو اليقين أو نحوها ، والشّاهد على كون النّقض هو الهدم والحلّ ، ولو كان المنقوض نفسيّا ، قوله تعالى : (وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها)(١) وقوله عزوجل : (وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ)(٢) ، وقوله جلّ جلاله : (فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ)(٣).
وعليه : فلكون اليقين أمرا مبرما مستحكما ، يصحّ ويحسن إسناد النّقض إليه بلا حاجة إلى ارتكاب تجوّز وتأويل.
وأمّا الجهة الثّانية ، فلأنّ هيئة «لا تنقض» ليس المراد منها هو النّهي عن نقض نفس اليقين ؛ إذ اليقين ينتقض بطروّ الشّكّ قهرا ، فلا يكون نقضه وعدم نقضه تحت اختيار المكلّف ، حتّى يتعلّق به النّهى ، بل المراد منها هو النّهي عن نقضه بحسب ما له من الآثار ، فمعنى : لا تنقض اليقين ، راجع إلى قولنا : عامل حال الشّكّ في البقاء ، معاملة اليقين ، ورتّب آثاره ، واجر على وفقه ، وهذا أمر مقدور اختياريّ ، كما لا يخفى.
وبعبارة أوفى : ليس المراد من النّهي هو النّهي عن النّقض حقيقة ، لكونه
__________________
(١) سورة النّحل (١٦) : الآية ٩١.
(٢) سورة الرّعد (١٣) : الآية ٢٥.
(٣) سورة النّساء (٤) : الآية ١٥٥.