أو نقض الحبل» وكما في نقض الغزل ، فقال الله عزوجل : (وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَها مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكاثاً)(١) ، وقد يطلق ويراد به المعنى المجازيّ وهو على قسمين : أحدهما : ما هو أقرب إلى المعنى الحقيقيّ وهو رفع الأمر الثّابت الّذي فيه اقتضاء الاستمرار واستعداد البقاء ، بحيث يبقى ويدوم لو خلّي ونفسه ولم يطرأ رافع له ؛ ثانيهما : ما هو أبعد من المعنى الحقيقيّ وهو رفع الأمر الثّابت مطلقا وإن لم يكن فيه استعداد البقاء ، وحيث إنّ المفروض عدم استعمال النّقض في الرّوايات في معناه : الحقيقيّ ، لعدم تعلّقه بمثل الحبل والغزل الّذي يكون ذا هيئة اتّصاليّة قابلة للنّقض والهدم ، بل تعلّق باليقين والعلم الّذي يكون أمرا بسيطا ، فلا بدّ من حمله على القسم الأوّل من المعنى المجازيّ وهو الأقرب إلى المعنى الحقيقيّ ، لأجل ما اشتهر من القاعدة الأدبيّة وهو إذا تعذّرت الحقيقة ، فأقرب المجازات أولى.
أمّا الجهة الثّانية : فحاصل كلامه قدسسره هو أنّه لا مجال للنّهي عن نقض اليقين بالشّكّ حقيقة ؛ لانتقاضه به قهرا وبلا اختيار ، فلا بدّ من أن يراد باليقين هو المتيقّن ، وقد عرفت آنفا : أنّ المتيقّن ، تارة يكون فيه اقتضاء الاستمرار واستعداد البقاء ، بحيث لو خلّي ونفسه يستمرّ ويبقى ، وهذا أقرب إلى مفهوم النّقض الحقيقيّ ؛ واخرى لا يكون كذلك ، فكلمة : «لا تنقض اليقين» تدلّ مادّته وهيئته على حجّيّة الاستصحاب إذا كان الشّكّ في البقاء من ناحية الشّكّ في الرّافع ، لا من ناحية الشّكّ في مقدار الاستعداد والاقتضاء.
هذا ، ولكن لا يخفى ضعف كلتا الجهتين. أمّا الجهة الاولى ، فلأنّ مادّة النّقض
__________________
(١) سورة النّحل (١٦) ، الآية ٩٢.