جعل ذلك الطّرف الآخر بدلا عن الحرام الواقعيّ ، فلا تلزم المعصية إلّا أنّه أمر آخر ، سيأتي الكلام فيه إن شاء الله تعالى.
الوجه الثّاني : أنّ جعل الحكم الظّاهريّ النّاظر إلى الواقع مناقض مع العلم الوجدانيّ بالحكم ، سواء كان إلزاميّا أو غير إلزاميّ ، وهذا الوجه مختصّ بما إذا كان الحكم الظّاهريّ ثابتا بالأمارة أو بالأصل التّنزيليّ ، ومقتضاه هو استحالة جعل الحكم الظّاهريّ في جميع الأطراف ، بلا فرق بين أن تلزم منه المخالفة العمليّة ، وبين أن لا يلزم منه كذلك.
هذا ، ولكن ينبغي التّكلم في المقام : تارة فيما إذا كان الحكم المخالف للمعلوم بالإجمال مستندا إلى الأمارة الجارية في جميع الأطراف ، واخرى فيما إذا كان مستندا إلى الاصول التّنزيليّة الجارية فيه.
أمّا الأمارة ـ كما إذا علم نجاسة أحد الكأسين ، فقامت بيّنة على طهارة أحدهما ، ثمّ قامت بيّنة اخرى على طهارة الآخر ـ فلا شكّ في أنّ قيامها على كلا الطّرفين يوجب المعارضة بينهما بمدلولهما الالتزاميّ ، حيث إنّ مقتضى دلالة البيّنة على طهارة أحد الطّرفين بالمطابقة هو دلالتها على نجاسة الآخر بالالتزام ، لوجود العلم الإجماليّ بنجاسة أحدهما ، وكذا مقتضى دلالة البيّنة على طهارة الآخر بالمطابقة ، هو دلالتها على نجاسة الطّرف المقابل بالالتزام ، وحينئذ تقع المعارضة بينهما ، فتسقطان عن الحجّيّة ؛ إذا الأصل في التّعارض هو التّساقط ، نظرا إلى أنّ دليل حجّيّة الأمارة لا يمكن شموله للمتعارضين معا ، كما لا يمكن شموله لأحدهما المعيّن ، للزوم التّرجيح بلا مرجّح.