أصالة عدم حجّيّة الظّنّ ، وعن أدلّة عدم اعتباره ، خروجا تخصّصيّا.
ولك أن تقول : إنّ المراد من اليقين المأخوذ في كبرى الاستصحاب ، صدرا وذيلا ، ليس هو اليقين المصطلح عند أهل المنطق والفلسفة ، بل المراد منه هو الحجّة واللّاحجّة ، أعمّ من أن يكون يقينا مصطلحا عليه ، أو يقينا عاديا عرفيّا ، كالأمارة المعتبرة ، فمعنى قوله عليهالسلام : «لا تنقض اليقين بالشّكّ ، ولكن انقضه بيقين آخر» هو لا تنقض الحجّة باللّاحجة ، ولكن انقض الحجّة بالحجّة ؛ ولذا لو علم بطهارة شيء فقامت البيّنة على أنّه تنجّس ، انتقض اليقين بالطّهارة حدوثا ، بالبيّنة على النّجاسة بقاء ، وكذا العكس.
وعلى أيّ تقدير ، لا مجال لما اشير إليه من الإشكال على جريان الاستصحاب ـ في موارد قيام الأمارة على حدوث شيء لو شكّ في بقاءه ـ بأنّه لا يقين بالحدوث ، بل لا شكّ في البقاء ـ أيضا ـ إذ الأمارات علوم وحجج معتبرة ، فقيام الأمارة على ثبوت شيء ، علم بالحدوث ، وقيامها على خلاف الاستصحاب والتّعبّد بالبقاء ، نقض للعلم بالعلم والحجّة بالحجّة. هذا كلّه في الأمارات.
أمّا الاصول ، فلا مجال لجريان الاستصحاب في مواردها ، فمثل قاعدة الطّهارة ، مقتضاها طهارة ما شكّ في طهارته حتّى يعلم قذارته وتقوم الحجّة على نجاسته ، فلا يشكّ في البقاء حتّى يستصحب ، بل هي باقية حتّى يعلم الزّوال والارتفاع ، وكذا قاعدة الحلّ ؛ وأمّا البراءة والاشتغال والتّخيير ، فلا مجال لتوهّم جريانه في مواردها ، كما لا يخفى. هذا تمام الكلام في التّنبيه الثّالث.