ثمّ إنّه يمكن تقريب الاستدلال لما اختاره الفاضل التّوني قدسسره بوجهين آخرين :
الأوّل : أنّ موضوع الحرمة والنّجاسة عنوان وجوديّ وهو الميتة ، وموضوع الحلّيّة والطّهارة ـ أيضا ـ عنوان وجوديّ وهو المذكّى ، فلا بدّ من إحراز العنوانين الوجوديّين وجدانا أو تعبّدا ، ومن المعلوم ، أنّ أصالة عدم التّذكية لا تثبت عنوان الميتة تعبّدا حتّى تترتّب عليه الحرمة والنّجاسة ، إلّا على القول بالأصل المثبت ، حيث إنّ إثبات أحد الضّدّين (الميتة) بنفي الضدّ الآخر (المذكّى) من أظهر مصاديق أصل المثبت ، فلا مناص من إجراء أصالة العدم في كلا العنوانين وهي أصالة عدم التّذكية وأصالة عدم الموت بحتف الأنف وحينئذ يقع التّعارض بين الأصلين ، والمرجع بعد تساقطهما أصالة الحلّ والطّهارة.
الثّاني : أنّ موضوع الحرمة والنّجاسة لو سلّم كونه نفس عدم التّذكية لا عنوان الميتة ، فليس المراد به هو مطلق عدم التّذكية ، بل المراد عدمها حال زهاق روح الحيوان لا حال حياته ، وواضح جدّا ، أنّ هذا العدم المقيّد ليس له حالة سابقة حتّى يستصحب ؛ إذ زهاق روحه إمّا يكون من ناحية التّذكية ، أو من ناحية عدم التّذكية ، فليس لنا هنا زمان كان فيه الزّهاق بلا تذكية حتّى يجري الأصل عند الشّكّ في البقاء ، فهذا العدم المقيّد بمفاد «ليس النّاقصة» ليس له حالة سابقة متيقّنة ، وأمّا عدم التّذكية حال حياة الحيوان بمفاد «ليس التّامّة» فهو وإن كان متيقّنا سابقا ، لكن لا يجدي استصحابه وليس له أثر إلّا أن يثبت به ذلك العدم الخاصّ ، وهذا الإثبات ، كما ترى ، يكون من الاصول المثبتة ، فالمرجع حينئذ هو أصالة الحلّيّة والطّهارة.
هذا ، ولكن يرد على مقالة الفاضل التّوني قدسسره بأنّه أوّلا : ليس المراد من الميتة