تلك الأحكام ، فيلزم أن يثبت هو بنفسه وهو ضروريّ البطلان ؛ وعلى تقدير حجّيّته في الشّريعة اللّاحقة فقط ، لا يمكن له التّمسّك به ـ أيضا ـ لإثبات بقاء أحكام الشّريعة السّابقة ؛ وذلك ، لكونه متفرّعا على أن يكون اللّاحقة حقّا ، وواضح ، أنّه لو التزم بحقّيّتها لم يبق مجال للاستصحاب ، لليقين حينئذ بارتفاع الأحكام السّابقة.
وأمّا وجه عدم المجال بالنّسبة إلى التّمسّك باستصحاب النّبوّة في الموضع الثّاني (إلزام المسلم ودعوته إلى دينه) فهو أنّ إجراء الاستصحاب يتوقّف على اليقين بالحدوث والشّكّ في البقاء ، والمفروض أنّه لا يقين للمسلم بنبوّة نبيّ الكتابي ، إلّا من طريق دين نفسه وشريعته المصدّق لنبوّة ذلك النّبيّ ؛ إذ كتبهم المنزلة من عند الله تعالى حرّفوها ، بحيث لا يرضى العاقل إسنادها إليه تعالى بوجه أصلا ، والتّواتر وإن كان حاصلا في الجملة وفي بعض الطّبقات ، لكنّه ليس بموجود في جميعها ، كما يكون موجودا كذلك بالنّسبة إلى بلد المكّة ـ مثلا ـ فليس للمسلم يقين بنبوّة نبيّ الكتابيّ إلّا من طريق شريعة الإسلام ومن ناحية إخبار القرآن ونبيّ الإسلام ، حيث إنّ تصديق نبيّ الإسلام يوجب تصديق نبوّة نبيّ غير الإسلام.
ومن المعلوم : أنّ نبيّ الإسلام كما يخبر بنبوّة ذلك النّبيّ وبكتابه وشريعته ، كذلك يخبر بنبوّة نفسه وبانقضاء أمد تلك النّبوّة ، فلا شكّ في البقاء حتّى تستصحب ، بل فرض شكّ المسلم بما هو مسلم في بقاء نبوّة نبيّ الكتابيّ خلف ؛ إذ الإنسان مع هذا الشّكّ لا يكون مسلما حتّى يحتاج إلى الاستصحاب.
أمّا وجه عدم المجال بالنّسبة إلى التّمسّك باستصحاب أحكام الشّريعة السّابقة في الموضع الثّاني ـ أيضا ـ فقد تقدّم البحث عنه في التّنبيه الثّامن ، فراجع.