وعليه : فلا مجال لما عن الكتابيّ من التّمسّك باستصحاب النّبوّة ، وكذا باستصحاب أحكام الشّريعة السّابقة في موضعين : أحدهما : إثبات معذوريّة نفسه في البقاء على دينه ؛ ثانيهما : إلزام المسلم ودعوته إلى دينه.
أمّا وجه عدم المجال بالنّسبة إلى التّمسّك باستصحاب النّبوّة في الموضع الأوّل ، فهو إمّا يكون متيقّنا ببقاء نبوّة نبيّه. فلا مجال حينئذ للاستصحاب الّذي أحد أركانه هو الشّكّ في البقاء ، أو يكون شاكّا فيه ، فيجب عليه الفحص ولا يجوز له إجراء الاستصحاب الّذي هو من الاصول قبل الفحص عن النّبوّة الّتي هو من الاصول الاعتقاديّة ، فيجب الفحص أوّلا ، كما يجب في الفروع الّتي هي أدنى وأنزل من الاصول الاعتقاديّة ، فهو إمّا يصل بالفحص إلى الواقع والحقّ ويعرفه ويعتقد به ، فلا يبقى له الشّكّ حينئذ حتّى يحتاج إلى الأصل ، وإمّا لا يصل به إليه فيبقى شكّه ، ولمّا كانت النّبوّة من الامور الاعتقاديّة المعتبر فيها المعرفة والاعتقاد ، لم يكن لجريان الاستصحاب فيها مجال وفائدة ، لكونه من الاصول التّعبّديّة ، اللهمّ إلّا أن يقال : بكفاية الظّنّ فيها في الفرض والاستصحاب ممّا يفيد الظّنّ ، فتأمّل.
وأمّا وجه عدم المجال بالنّسبة إلى التّمسّك باستصحاب أحكام الشّريعة في الموضع الأوّل ـ أيضا ـ فهو أنّه على تقدير تيقّنه ببقاء الشّريعة السّابقة ، لا مجال لاستصحابها ؛ وعلى تقدير الشّكّ فيه لا بدّ من الفحص ، فلو فحص ولم يرتفع له الشّكّ ، لا مجال للتّمسّك بالاستصحاب لرفع الشّكّ إلّا على تقدير ثبوت حجّيّة الاستصحاب في الشّريعتين ؛ إذ على تقدير الاستصحاب في الشّريعة السّابقة فقط ، لا يمكن له التّمسّك به لإثبات بقاء أحكام تلك الشّريعة ، لكون الاستصحاب من جملة