معه ـ فيقدّم غير المشروط على المشروط ، وهذا نظير دوران الأمر بين حفظ النّفس المحترمة من الهلاك ، وبين الوضوء ، فالملاك في حفظ النّفس غير متوقّف على القدرة شرعا ، بل فيه الملاك حتّى عند العجز ، إلّا أنّ العاجز معذور عقلا في تركه ، وهذا بخلاف الملاك في الوضوء ، فإنّه ـ كالخطاب فيه ـ مشروط بالقدرة ، وذلك بقرينة المقابلة بين الأمر به والأمر بالتّيمّم في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ ... فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً)(١) فإنّ التّكليف بالتّيمّم مشروط بعدم القدرة على الوضوء وهو المراد من عدم وجدان الماء ، والتّكليف بالوضوء مشروط بالقدرة عليه ووجدان الماء ، بقرينة المقابلة وقاطعيّة التّقسيم للشّركة.
وعليه : فيرجّح ويقدّم حفظ النّفس على الوضوء ، فيصرف الماء لحفظها ، فتنتقل الوظيفة حينئذ من الطّهارة المائيّة إلى الطّهارة التّرابيّة ، ووجه ذلك ، أنّه لو قدّم حفظ النّفس تستوفى مصلحته بامتثال أمره وصرف القدرة فيه ، فلا قدرة على الوضوء ، فلا ملاك فيه ، بخلاف ما لو قدّم الوضوء فإنّه لزم تفويت مصلحة حفظ النّفس لعدم اشتراط وجودها بالقدرة.
الأمر السّادس : قد عرفت في تعريف التّعارض أنّ معناه : تنافي الدّليلين بالذّات أو بالعرض بحسب الدّلالة ومقام الإثبات على وجه التّناقض أو التّضاد ، وعليه ، فمثل موارد التّخصّص والورود والتّخصيص والحكومة خارجة عن باب التّعارض ؛ لعدم التّنافي فيها بين الأدلّة.
__________________
(١) سورة المائدة (٥) ، الآية ٦.