وأمّا الدّلالة ، فلأنّ الظّاهر عدم ارتباط مفاد المقبولة بباب تعارض الأخبار والأدلّة وترجيح خبر وحجّة على خبر وحجّة اخرى ، بل وردت بأسرها ـ صدرا وذيلا ـ في موارد المنازعة وفصل الخصومة.
تقريب ذلك : ـ على ما قوّاه الإمام الرّاحل قدسسره ـ أنّ قول السّائل : «بينهما منازعة في دين أو ميراث» إنّما يكون من باب المثال لا الانحصار ، والغرض هو السّؤال عن جواز الرّجوع في المخاصمات والمنازعات إلى سلاطين الجور والقضاة ، فأجاب عليهالسلام : بأنّ التّحاكم إليهم ولو في حقّ تحاكم إلى الطّاغوت ، وأنّ ما يحكم له فإنّما يأخذوه سحتا ، لأنّه أخذه بحكم الطّاغوت ، ثمّ بعد هذا الجواب سأل عن التّكليف والوظيفة في موارد المنازعة والمخاصمة ، فأجاب عليهالسلام بقوله : ينظران إلى من كان منكم.
ولا ريب : أنّ هذه الجمل المتعاقبة المتتالية من قوله عليهالسلام : ينظران إلى قوله عليهالسلام : «والرّاد علينا ، الرّاد على الله» ، ظاهرة في القضاء والحكم الفاصل للخصومة ، كما أنّ قوله عليهالسلام : «وكلاهما اختلفا في حديثكم» ؛ وقوله عليهالسلام : «الحكم ما حكم أعدلهما وأفقههما وأورعهما» ظاهران ـ أيضا ـ في كون التّرجيح راجعا إلى باب الحكم والقضاء ، لا الرّواية أو الرّاوي والفتوى. وتشهد لذلك روايتان :
إحداهما : ما رواه الصّدوق قدسسره بإسناده عن داود بن الحصين ، عن أبي عبد الله عليهالسلام : «في رجلين اتّفقا على عدلين ، جعلاهما بينهما في حكم وقع بينهما فيه خلاف ، فرضيا بالعدلين فاختلف العدلان بينهما عن قول أيّهما يمضى الحكم ، قال : ينظر إلى أفقههما وأعلمهما وأورعهما ، فينفذ حكمه ولا يلتفت إلى الآخر». (١)
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٠ ، ص ٨٠.