الوجه الثّالث : أنّ تعليل وجوب الأخذ بمخالفة العامّة بأنّ الرّشد في ما خالفهم يكون معمّما موسّعا دالّا على وجوب الأخذ بكلّ خبر يكون في الأخذ به الرّشد غالبا ولو كان لاشتماله على مزيّة اخرى غير مخالفة العامّة.
وفيه : أنّ العبارة المذكورة بعنوان العلّة إنّما هي من عبارات الكليني قدسسره في ديباجة الكافي ولم توجد في رواية ، نعم ، وردت في مرفوعة زرارة هذه العبارة «فإنّ الحقّ فيما خالفهم» وقد عرفت ما في المرفوعة من الضّعف ، وكذا وردت في رواية علي بن أسباط مثل تلك العبارة ، ولكن موردها كون العمل ممّا لا بدّ منه مع فقد أيّ طريق إلى الواقع ، فراجع. (١)
وقد وردت ـ أيضا ـ في المقبولة عبارة «ما خالف العامّة ففيه الرّشاد» بمعنى : أنّه يجب الأخذ به ، وأنت ترى ، أنّ هذا ليس بتعليل ، ولو سلّم ظهوره في التّعليل ، فلا إشكال في أنّ وجود الرّشد في خلاف العامّة ليس إلّا غالبيّا ، لكونهم معتمدين في استنباطاتهم وآراءهم على الاستحسانات والظّنون والأقيسة ، غير متوسّلين بأهل البيت والعترة الطّاهرة عليهمالسلام ولذا وقعوا كثيرا في الخطاء والحيرة ، وعليه ، فلا مانع من التّعدي من مخالفة العامّة إلى مزايا اخرى لو كانت موجبة للرّشد ومطابقة الواقع غالبا.
ولكن هيهات أن تكون مزايا اخرى موجبة للرّشد غالبا ، كالمخالفة للعامّة.
__________________
(١) وسائل الشّيعة : ج ١٨ ، كتاب القضاء والشّهادات ، الباب ٩ من أبواب صفات القاضي ، الحديث ٢٣ ، ص ٨٢ و ٨٣.