ـ على مسلك القوم ـ والعقل ، ولا معنى حينئذ للإطلاق حسب مقام الإثبات ، فلا يصحّ أن يقال : لا تشرب من إناء كذا ، سواء ابتليت به أم لم تبتل به ، كما لا يقال :
جئني بكذا ، سواء كنت قادرا ، أم لا ، وسواء كنت عاقلا ، أم لا.
نعم ، إنّما يصحّ التّمسّك بالإطلاق فيما إذا شكّ في التّقييد بقيد غير دخيل في صحّة الخطاب ، كالإيمان ـ مثلا ـ في أعتق رقبة ، وكالاستطاعة الشّرعيّة في الحجّ ونحوهما.
وبعبارة اخرى : إنّما يصحّ التّمسّك بالإطلاق عند الشّكّ في التّقييد بشيء إذا لم يكن الخطاب مقيّدا بذلك الشّيء ثبوتا.
التّنبيه الثّالث : يقع الكلام في هذا التّنبيه في مقامين ، قد أشار إليهما ـ أيضا ـ المحقّق الخراساني قدسسره (١) ، أحدهما : هل كثرة أطراف العلم الإجماليّ بنفسها مانعة عن تنجّزه وعن فعليّة التّكليف ، بحيث لا يجب الاحتياط حينئذ ، أم لا؟ بل المانع عنه هو العناوين الطّارئة ، كالعسر والحرج والضّرر ؛ ثانيهما : إذا شكّ في عروض المانع الموجب لارتفاع فعليّة التّكليف ، فهل يرجع إلى إطلاق الدّليل أو أصل البراءة؟
أمّا المقام الأوّل : فقد اختار المحقّق الخراساني قدسسره عدم كون كثرة الأطراف بنفسها مانعة عن تنجّز العلم الإجماليّ ، وهذا هو الحقّ ، وقد أفاد قدسسره في وجه ذلك ، ما محصّله : هو أنّ الملاك في تأثير العلم الإجماليّ وتنجيزه للتّكليف المعلوم بالإجمال وإيجابه للاحتياط هو تعلّقه بالتّكليف الفعليّ وحينئذ فلا يتفاوت الحال بين حصر أطراف الشّبهة وعدم حصرها في وجوب الاحتياط ، فكثرة الأطراف بما هي هي
__________________
(١) راجع ، كفاية الاصول : ج ٢ ، ص ٢٢٣.