الطّهارة وكذا الملاقاة والسّراية ، تكون من الامور العرفيّة ، كالامور المعامليّة ، فلا تأسيس للشّرع الأنور في البابين ، بل منه امضاء وتصويب ، غاية الأمر ، قد يخطّئهم في مقام التّطبيق بإخراج بعض المصاديق وإدراج بعضها الآخر.
ومن المعلوم : أنّ العرف يرى قذارة الملاقي (بالكسر) للقذر ، قذارة اخرى ، مستقلّة مغايرة لقذارة الملاقى (بالفتح) بلا عدّها عين تلك بالانبساط والاتّساع ، وبلا عدّها من شئونها ، فلا مجال إذا لأن يستفاد من دليل وجوب الاجتناب عن الملاقى (بالفتح) وجوب الاجتناب عن الملاقي (بالكسر) ، وليس مقتضى دليل نجاسة الدّم أو الميتة أو نحوهما إلّا وجوب الاجتناب عن نفسهما فقط ، لا عن ملاقيهما ، أيضا.
ألا ترى ، أنّ معنى قوله عليهالسلام : «إنّ الله حرّم الميتة من كلّ شيء» ليس إلّا تحريم الميتة وتنجيسها ، لا تحريم ملاقيه وتنجيسه ـ أيضا ـ من باب السّراية والاتّساع أو من باب الشّئون والاتّباع.
ولقد أجاد الإمام الرّاحل قدسسره في ما أفاده في المقام ، حيث قال ، ما محصّله : إنّ قوله عليهالسلام : «إنّ الله حرّم الميتة» إنّما سيق لردّ قول السّائل وهو : «إنّ الفأرة أهون عليّ» وأنّه استخفاف لحكم الله تعالى ، حيث حكم عليهالسلام بحرمة كلّ ميتة ، وأمّا بيان نجاسة الملاقي (بالكسر) للفأرة ، فلا ، بل هو خلاف الظّاهر ، كما لا يخفى. (١)
وقد يستدلّ على وجوب الاجتناب عن الملاقي ، بأنّه تحصل عند الملاقاة ثلاثة علوم إجماليّة : الأوّل : العلم بنجاسة الملاقى (بالفتح) أو الطّرف ؛ الثّاني : العلم بنجاسة الملاقي (بالكسر) أو الطّرف ؛ الثّالث : العلم بنجاسة الملاقى (بالفتح) والملاقي
__________________
(١) راجع ، تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٣٥٥.