هنا أنّ نداء الصبح موضع قوله لا هنا ، كأنّه كره أن يكون منه نداء آخر عند باب الأمير كما أحدثته الأُمراء ، وإلّا فالتثويب أشهر عند العلماء والعامّة من أن يُظَنّ بعمر أنّه جهل ما سنَّ رسول الله وأمر مؤذّنَيه بلالاً بالمدينة وأبا محذورة بمكّة ، انتهى .
ونحو تأويله قول الباجي : يحتمل أنّ عمر قال ذلك إنكاراً ، لاستعماله لفظة من ألفاظ الأذان في غيره ، وقال له : اجعلها فيه ، يعني لا تقلها في غيره . انتهى .
وهو حسن متعيّن ، فقد روى ابن ماجة من طريق ابن المسيّب عن بلال أنّه أتى النبيّ يؤذنه لصلاة الفجر ، فقيل : هو نائم ، فقال : « الصلاة خير من النوم » مرّتين ، فأُقرَّت في تأذين الفجر ، فثبت الأمر على ذلك .
وروى بقي ـ بموحّدة ـ بن مخلد عن أبي محذورة قال : كنت غلاماً صبيّاً فأذّنتُ بين يدي رسول الله الفجر يوم حُنَين ، فلمّا انتهيت إلى حيّ على الفلاح قال : ألحق فيها الصلاة خير من النوم .
وقال مالك في مختصر ابن شعبان لا يترك المؤذن قوله في نداء الصبح : الصلاة خير من النوم في سفر ولا حضر ، ومن أذّن في ضيعته متنحّياً عن الناس فتركه فلا بأس ، وأحبُّ إلينا أن يأتي به ...
(مالك عن عمّه أبي سهيل أنّه قال : ما أعرف شيئاً ممّا أدركتُ عليه الناس) ، يعني الصحابة (إلّا النداء بالصلاة) فإنّه باق على ما كان عليه لم يدخله تغيير ولا تبديل بخلاف الصلاة ، فقد أُخّرت عن أوقاتها وسائر الأفعال ، قد دخلها التغيير ، فأنكر أكثر أفعال أهل عصره ، والتغيير يمكن أن يلحق صفة الفعل كتأخير الصلاة ، وأن يلحق الفعل جملة كترك الأمر بكثير من المعروف والنهي عن كثير من المنكر مع علم الناس بذلك كلّه ، قاله الباجي) .