وقال ابن عبد البرّ فيه إنّ الأذان لم يتغيّر عمّا كان عليه ، وكذا قال عطاء : ما أعلم تأذينهم اليوم يخالف تأذين من مضى ، وفيه تغيير الأحوال عمّا كانت عليه زمن الخلفاء الأربعة في أكثر الأشياء .
واحتجّ بهذا من لم ير عمل أهل المدينة حجّةً وقال : لا حجّة إلّا فيما نُقل بالأسانيد الصحاح عن النبيّ أو عن الخلفاء الأربعة ومَن سلك سبيلهم (١) .
نعم ، إنّهم علّلوا عملهم بعلل ، منها قولهم : وحكمته أنّ الفجر يدخل وفي الناس الجُنب والنائم ، فجاز بل نُدب تقديمه ليتهيّؤوا لإدراك فضيلة أوّل الوقت (٢) .
أقول :
لو صحّ تعليلهم هذا ، وصحّت الحكمة التي قالوها للزمهم النداء به بجمل تختلف عن النداء الشرعي مثل : « قوموا من رقدتكم أيّها النيام وهلمّوا إلى الصلاة » ، « عجّلوا بالصلاة » ، أو « الصلاة مندوبة » ، وما شابه ذلك ، لا أن يُشهَد بمثل الأذان الشرعي بفصوله وألفاظه بحيث يتوهّم النائم بأنّه أذان لصلاة الفجر .
فعدم النداء بتلك العبارات يجعل المكلّف في حيرة من أمره ، إذ إنّ نداء التهجّد والتنبيه أصبح يشبه أذان الفجر ، في حين أنّ ذلك لا يجوز وقد عرفت بأنّ رسول الله أمر بلالاً أن يرجع وينادي : ألا أنّ العبد نام !! لِكَي يرتفع الالتباس الواقع على الناس (٣) . فكيف يُشرَّع التوهيم من قِبل رسول الله ـ حاشاه ـ ؟! إنّ هذا شيء عجيب .
______________________
(١) شرح الزرقاني ١ : ١٤٩ ـ ١٥٠ .
(٢) إعانة الطالبيين ١ : ٢٢٠ وحاشيته ١ : ٢٣٦ ، مغني المحتاج ١ : ١٣٦ .
(٣) هل كان أذان الفجر أو الأذان للفجر .