وإذا عرفت هذا هان عليك ما اعتاد الفقهاء من الجدال في التثويب ، هل هو من ألفاظ الأذان أو لا ؟ وهل هو بدعة أو لا ؟ ثمّ ما المراد من معناه اليقظة للصلاة خير من النوم ، أي من الراحة التي يعتاضونها في الأجل خير من النوم ، ولنا كلام في هذه الكمة اودعناه رسالة لطيفة (١) .
إذن فسرت هذه الجملة بتفاسير متعدّدة ، وكتبت فيها رسائل لطيفة !! استساغها بعض واستهجنها بعض آخر ، لعدم تناغمها مع الفصول الأخرى فيه ، إذ لا معنى للمقارنة بين الخيرية الملحوظة في الصلاة والخيرية الملحوظة في النوم ، علماً بأنّ الأذان هو أمر إسلامي وقد شرّع في الإسراء والمعراج وفيه تنسيق بين الشهادات والحيعلات .
فكما أنّ الشهادة الأولى ـ أشهد أن لا إله إلّا الله ـ تعني التوحيد ، فلا بدّ أن تكون الحيعلة الأولى مرتبطة بالتوحيد وطاعة الله وعبادته ، ولأجله جاءت الدعوة إلى العبودية من خلال جملة « حيّ على الصلاة » لأنّ الصلاة لا تكون إلّا لله .
ومثله حال الشهادة الثانية ـ أشهد أنّ محمّداً رسول الله ـ فهي تعني الإقرار بكلّ ما أتى به الرسول من أحكام وسنن وأخلاق ، لأنّ النبيّ بدأ دعوته تدريجاً بعد قوله : « قولوا لا إله إلّا الله تفلحوا » ثمّ أعقبتها تعاليمه في الصلاة والزكاة فقال سبحانه : ( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) وقال : ( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ) .
فالفلاح هو كلّ ما جاء به رسول الله من أحكام وغيره ، وقد وصف سبحانه
______________________
(١) سبل السلام ١ : ١٢٠ .