القضية المعقولة في ذهن المتكلم ، سواء أكان بإزائها وجود رابط خارجي أو لم يكن بإزائها وجود رابط خارجي وإلّا كيف يتصور أن مقصود الأصفهاني من الحرف إنه موضوع للوجود الرابط الخارجي ، مع أنه في القضايا الكاذبة على الأقل ، لا وجود رابط خارجي حينما نقول : زيد في الدار ، وزيد لم يكن في الدار ، هنا الوجود الرابط في الخارج غير موجود أصلا ، مع أن كون القضية كاذبة لا يعني أنّ الحرف ليس له معنى ، وأن الإسم ليس له معنى ، فحينما يقول الكاذب : زيد في الدار ـ هذه الجملة لها المعنى نفسه عند ما يقولها الصادق ، فلو كان مفاد الحرف هو الوجود الرابط الخارجي. إذن لم يكن هناك معنى للحرف في موارد كذب القضية ، إذ ليس هناك وجود رابط خارجي ، مع أن معنى الحرف سنخ معنى لا بدّ من انحفاظه في موارد صدق القضية وكذبها. وهذا معناه إنّ الموضوع له ليس هو الوجود الرابط الخارجي ، بل هو النسبة المستهلكة في الطرفين التي يكون تقررها الماهوي في طول الوجود الذهني للقضية في عالم الاستعمال ، وهذه النسبة إن كان لها مطابق في الخارج تكون صادقة ، وإن لم يكن لها مطابق في الخارج ، فتكون كاذبة ، مع وجدان المعنى للقضية ، وللاسم ، وللحرف فيها.
إذن فبناء على هذا يظهر أن ما ذكره المحقق الأصفهاني ، لا يختلف عمّا أوضحناه في المراحل الخمسة لتوضيح هذا المسلك ، وهو إنّ الحروف موضوعة (١) لأنحاء النسب ، وإنّ هذه النسب ، نسب مستهلكة ليس لها تقرر ماهوي إلّا في طول عالم الوجود ، في عالم وجود القضية في ذهن المتكلم ، ولا نرى أنه قد أضاف شيئا على ما قررناه أولا في توضيح هذا المسلك.
وهذه الاعتراضات الثلاثة التي اعترض بها السيد الأستاذ ، فقد ظهر حالها ممّا بيناه ، فأما الاعتراض الأول ، وهو إنّ الكلمة لا تكون موضوعة للوجود الخارجي ، لأنّ هذا الوجود لا يقبل الانتقال إلى الذهن. فهذا أمر
__________________
(١) نهاية الدراية : الأصفهاني / ج ١ ص ٢٣ ـ ٢٤.