لا للنسبة التي هي منشأ التحصيص والضيق ، بحيث يكون الضيق نفسه والتحصيص نفسه ، هو مدلول الحرف ابتداء ، حينئذ مرادكم هذا يكون مطلبا جديدا غير ما قلناه ولكن يرد عليه :
أولا : إنّ هذا التحصيص لا يعقل فرضه إلّا بلحاظ فرض نسبة في المرتبة السابقة كما بيّناه ، وحينئذ ننقل الكلام إلى تلك النسبة ، ونقول : إذا كان الحرف موضوعا للضيق الذي هو من تبعات تلك النسبة ، إذن فما هو الدال على تلك النسبة؟.
فإن قيل : بأن هناك دالا آخر على تلك النسبة ، فليس هناك من دال آخر على تلك النسبة غير الحرف.
وإن قيل : إن الدال عليها هو الحرف نفسه فقد انتهينا إلى أن الحروف موضوعة للنسب ، ومعه لا حاجة إلى مسألة الضيق والتضيق.
فابتداء نقول إنّ الحروف موضوعة للنسب ، فلا يدخل التضيق في تصوير المعنى الحرفي ، بل يكون إدخاله لغوا صرفا.
ثانيا : إنّ التحصيص قد يتفق في المعنى الحرفي ، وقد لا يتفق. فهو ليس أمرا دائميا في المعنى الحرفي ، وذلك لأن قوام المعنى الحرفي بالنسبة ، والنسبة قد يتولد منها التحصيص والتضييق في دائرة الصدق على الأفراد ، وقد لا يتولد منها ذلك أصلا. لهذا نرى أن التحصيص ليس ملازما مع المعاني الحرفية. وهذا شاهد على أن الحرف ليس موضوعا بإزاء التحصيص.
فمثلا : حرف العطف ، حينما نقول : جاء الإنسان والحيوان ، المراد بالإنسان الحصة الخاصة التي هي مع الحيوان ، والمراد بالحيوان الحصة الخاصة التي هي مع الإنسان ، يعني تلك الحصتين جاءتا معا.
ولكن ما ذا تقولون في قولنا) الحرارة والبرودة لا يجتمعان ، فهنا هل المراد بالحرارة الحصة المقترنة مع البرودة ، وبالبرودة الحصة المقترنة مع الحرارة ، بحيث كلتا الحصتين لا تجتمعان؟.