وقد حمل المحقق الأصفهاني (١) كلام صاحب (الكفاية) على الإرادة التكوينية التي هي من مبادئ صدور الفعل الاختياري ، فكأن صاحب (الكفاية) يقول : بأن اللفظ من حيث أنه صادر ، يكون دالا ، ومن حيث أنه فعل اختياري كاشف عن الإرادة التكوينية من قبل الفاعل ، يكون مدلولا.
واعترض على صاحب (الكفاية) بأن دلالة اللفظ على الإرادة التكوينية دلالة عقلية ، وليست دلالة لفظية استعمالية ، فإن كل معلول يدل على علته بالإن. فدلالة لفظة (زيد) على الإرادة التكوينية على حد دلالة أي فعل اختياري على الإرادة التكوينية. وهذا خارج عن محل الكلام ، لأن الكلام في تصحيح وتوجيه الدلالة اللفظية الاستعمالية.
والصحيح : إنّ مراد صاحب (الكفاية) بالإرادة التي صوّر بها المدلول ، ليس هو الإرادة التكوينية التي هي من مبادئ صدور الفعل الاختياري ، وإلّا لكان هذا من باب استعمال اللفظ في الإرادة ، لا من باب إطلاق اللفظ وإرادة شخصه ، حينئذ يكون المدلول هو الإرادة ، مع أن صاحب (الكفاية) بصدد بيان أنّ المدلول هو نفس اللفظ ، لا الإرادة ، فلو كان قد اشتبه بين المدلول العقلي والمدلول الاستعمالي ، للزم أن يكون المدلول هو الإرادة ، والإرادة غير اللفظ ، وهما متغايران تغايرا حقيقيا لا تغايرا اعتباريا.
فهذا شاهد على أن مقصوده من الإرادة ، ليس هو الإرادة التكوينية ، وإنما الإرادة التفهيمية. فاللفظ من حيث أنه أريد به التفهيم فهو دال ، ومن حيث أنه أريد به تفهيم نفسه به فهو مدلول. فالحيثيتان منتزعتان بلحاظ الإرادة التفهيمية ، لا بلحاظ الإرادة التكوينية التي هي من مبادئ صدور الفعل الاختياري في الخارج. وبهذا يتحقق التغاير الاعتباري بين الدال والمدلول.
ولكن يبقى الكلام في كبرى هذا المطلب ، وهو : إن التغاير الاعتباري
__________________
(١) نهاية الدراية ـ الأصفهاني : ج ١ / ص ٣١ ـ ٣٢.