الخاص بما هو خاص ، لكن لا موجب للجمود على هذا العنوان ، بل لا بد من الالتفات إلى نكتة ، وهي : إن كثرة الاستعمال لما ذا توجب الوضع وتوجب الوضع التعيني؟.
إن كثرة الاستعمال إنما توجب الوضع التعيني : لأنها توجد اقترانا ذهنيا أكيدا شديدا ، وهذا الاقتران الشديد كما يحصل باستعمال اللفظ الموضوع للجامع في الخاص بما هو خاص مجازا إلى أن يكثر هذا الاستعمال فيحصل الوضع ، كذلك أيضا لو أطلق اللفظ وأريد الجامع ، ووجدت قرينة عامة ارتكازية تدل على إرادة الخصوصية ، وتكرّر هذا المطلب مرارا عديدة ، فأيضا يحصل قرن شديد بين اللفظ والحصة الخاصة ، وتنشأ علقة بين اللفظ والمعنى الخاص ، وهذه العلقة الشديدة عبارة عن الوضع.
فملاك حصول الوضع بكثرة الاستعمال لا يتوقف على أن يكون اللفظ مستعملا في الحصة الخاصة مجازا ، مرارا عديدة ، بل النكتة حصول القرن ، والقرن كذلك يحصل باستعمال اللفظ في الجامع. وإرادة الخصوصية بدال آخر سواء أكان هذا الدال قرينة عامة ارتكازية غير ملتفت إليها تفصيلا ، أو كان قرائن تفصيلية متغايرة من مورد إلى مورد آخر ، فعلى كلا التقديرين يحصل القرن الشديد في الذهن بين اللفظ والمعنى ، وهذا هو معنى الوضع التعيني.
وبهذا يتضح : إنّه إذا ثبت كون المعاني الشرعية مخترعات للشارع ، فينبغي القول بالوضع التعييني الاستعمالي كما مرّ في بيان المشهور بإرجاعه إلى ظهور حالي لكلام الشارع.
وإن قلنا بأن المعاني الشرعية قديمة : فما ذا نقول بالنسبة إلى الألفاظ؟. فإن كانت الألفاظ مستحدثة على يد الشارع فنقول بالوضع التعيّني الناشئ من كثرة الاستعمال ، لأنه وإن كان لا يوجد دليل على أن الشارع وضع وضعا تعينيا ، ولكنه استعمل اللفظ في المعنى الشرعي كثيرا حتى حصلت العلقة الوضعية ، فنقول بالوضع التعيني.