بل المهم في المقام : هو الحيثية الثانية لهذا الإنشاء ، الحيثية التكوينية لا الحيثية الاعتبارية الجعلية.
وعلى هذا البناء ، فالوضع بما هو وضع ، وميزان لدلالة اللفظ على المعنى ، ليس أمرا إنشائيا اعتباريا ، لا الوضع التعيّني ، ولا الوضع التعييني.
ب ـ الأمر الثاني : إنّ دلالة اللفظ على المعنى التي تنشأ من الوضع ، هي دلالة تصورية ، وليست دلالة تصديقية ، فإنّ الدلالة كما أشرنا سابقا على نحوين :
النحو الأول : دلالة تصورية ، بمعنى متى ما سمعنا لفظ (الأسد) وانتقش في ذهننا ، انتقل إلى تصور الحيوان المفترس.
النحو الثاني : دلالة تصديقية ، بمعنى أن لفظ (الأسد) يدل على أنّ المتكلم أراد بهذا الكلام تفهيم الحيوان المفترس.
إذن بناء على ما أوضحناه في حقيقة الوضع ، صار معلوما أنّ الوضع لا يوجد إلّا الدلالة التصورية ، لأن الوضع ليس إلّا إيجاد صغرى للقانون الثانوي التكويني ، لأن مفاده ، إنه متى ما اقترن شيئان : (السكوني ، والنوفلي) اقترانا أكيدا ، وتصورنا أحدهما ، تصورنا الآخر ، سواء سمعنا لفظ (السكوني) من عاقل ، أو نائم ، أو من اصطكاك حجرين ، انتقل ذهننا إلى تصور (النوفلي). هذا هو معنى الدلالة التصورية.
وأمّا الدلالة التصديقية : معناها ، إنه متى ما سمعنا إنسانا عاقلا ملتفتا يقول : (أسد) ، نعرف أنه قد أراد بهذا اللفظ تفهيم المعنى الذي وضع له في لغة العرب ، وهذه الدلالة ليست مربوطة بالوضع ، وإنما هي باعتبار ظهورات حالية وسياقية وعقلائية ، زائدا على الوضع.