وقد اعترض على ذلك ، السيد الأستاذ (١) ، بأن الدلالة التي تحصل من اصطكاك حجرين ، لا ينبغي أن تكون دلالة وضعية ومجعولة من قبل الواضع ، فإن الواضع حكيم لا يعقل أن يجعل اللفظ دالا على المعنى مطلقا ، حتى لو صدر اللفظ من اصطكاك حجرين ، لأن مثل هذا الإطلاق لغو ، وغرض الواضع هو أن يتفاهم الناس العقلاء فيما بينهم ، لا أن يتفاهم الناس مع الأحجار.
إذن فلا بدّ وأن يكون المجعول من قبل الواضع مخصوصا بخصوص ما إذا صدر اللفظ من العاقل الملتفت ، لا فيما إذا صدر من قبيل الحجر ، ونحوه.
وهذا الإشكال كأنه مبني على التصور القديم لمعنى الوضع ، فإذا كان الوضع عبارة عن أمر إنشائي مجعول من قبل الواضع ، من قبيل جعل الملكية في باب البيع من قبل البائع ، وهكذا من المجعولات التشريعية الإنشائية التي يتصور فيها الإطلاق والتقييد ، حينئذ يقال : بأن هذا المجعول الإنشائي من قبل الواضع ـ دلالة اللفظ على المعنى ـ مطلقا ، حتى لما إذا اصطك حجر بحجر ، أو يجعله لخصوص ما إذا صدر من إنسان عاقل ملتفت؟.
حينئذ قد يقال : لا معنى لأن يجعله الواضع مطلقا ، بل ينبغي جعله مقيدا ، لأن مثل هذا الإطلاق لغو ، إذن فيجعله مقيّدا ، فيختص مجعوله الإنشائي بخصوص اللفظ الصادر من العاقل.
ولكن بناء على ما أوضحناه ، من أنّ الوضع ليس مجعولا إنشائيا من قبيل مجعولية التمليك بعوض في باب البيع ، حتى يتصور له الإطلاق والتقييد ، وإنما هو أمر تكويني قد يستعان في مقام تحقيقه بعبارة إنشائية ، فيقول مثلا : سمّيت ولدي زيدا.
فالوضع بحسب الحقيقة هو عبارة عن أن يقف إنسان أمام إنسان آخر
__________________
(١) محاضرات في أصول الفقه ـ فياض : ج ١ / ص ٥٢.