فيقرن اللفظ مع المعنى ، وبعد لا يفرّق بين أن يصدر هذا اللفظ من إنسان أو حيوان أو حجر ، فيدل هذا اللفظ على هذا المعنى ، ولا معنى لأن يشكل على الواضع بأنه لا فائدة من انتقال اللفظ من الحجر إلى معناه ، فيقول : بأن هذا أمر لا يتبعّض ولا يتجزّأ إذ إنّ هذا ليس بابه باب المجعولات الإنشائية حتى أقيّده وأخصّصه بمقدار الحاجة ، بل هذه عملية واقعية تكوينية ، أقرن اللفظ مع المعنى فحينئذ يقترن اللفظ مع المعنى على أيّ حال.
ولهذا قد يحصل هذا الاقتران من قبل الواضع التعييني بلا إنشاء أصلا ، وبلا جعل ، كما هو الحال في الاقترانات التي تلقى في أذهان الأطفال بين الألفاظ والمعاني ، فكما ينشأ في نفس الطفل دلالة (الماما ، والبابا ، والحليب) بسبب هذه الاقترانات ، بأن تمسك الأم القارورة بيدها وتقول له (حليب) عدة مرات ، دون أن تستعمل أي إنشاء ، ودون أن تقول له وضعت لفظة (حليب) لهذا السائل تحته ، أو جعلتها معنى تنزيليا له ، فبحسب الحقيقة ، أن يقترن أحدهما بالآخر ، كما لو كتب لافتة وجعل فيها صورة القارورة ، وإلى جانبها لفظة (حليب) ، فحينئذ ، متى ما رأينا صورة القارورة ، يقترن في ذهننا لفظة (حليب) مع الحليب ، وهكذا ، متى ما سمعنا هذه الكلمة انتقل ذهننا إلى هذا المعنى.
إذن فالوضع ليس مجعولا إنشائيا ليتصور فيه الإطلاق والتقييد ، ليقال : بأن هذا إطلاقه لغو.
ج ـ الأمر الثالث : يتساءل فيه ، أليس من المعروف أن العلم بالوضع له دخل في الانتقال إلى المعنى؟ فما هو معنى هذا؟.
يتضح مما ذكر وهو أن العلم بالوضع له دخل في الانتقال إلى المعنى ، معناه : إن الوضع بوجوده النفس الأمري ، لا يوجد اقترانا في الذهن ما بين اللفظ والمعنى ، إذ إنه موجود في المنجد. فما لم يوجد اقتران في ذهني بين اللفظ والمعنى ، لا يصير هناك وضع حقيقة بالنسبة لي ، وإنما يكون وضعا بالنسبة إلى الغير الذي اقترن اللفظ والمعنى في ذهنه بشكل متعمق متأكد.