فإذا ضممنا هاتين القضيتين إحداهما إلى الأخرى ؛ وهي أن اللفظ سبب لوجود المعنى ذهنا ، ولتصوره في ذهن السامع ، والقضية الثانية ، وهي أن اللفظ بذاته لو خلّي وطبعه بدون أن ينضم إليه أمر خارجي ليس سببا ذاتيا لحضور المعنى وانتقاشه في الذهن ، يستنتج من ذلك ، أنه لا بد وأن يوجد أمر خارجي ، وهذا الأمر الخارجي بانضمامه إلى اللفظ ، هو الذي أوجب صيرورة اللفظ سببا للمعنى في عالم الذهن ، بحيث ينتقل الذهن من تصور اللفظ إلى تصور المعنى.
فمن هنا يقع الكلام في حقيقة هذا الأمر الخارجي ، ما هو هذا الأمر الخارجي ، الذي ببركته وبانضمامه حصل بين اللفظ والمعنى هذه السببية؟ :
هذا الأمر الخارجي نسميه (الوضع) ، وحينئذ نتكلم في حقيقة هذا الوضع ؛ ما ذا صنع الواضع بحيث جعل اللفظ سببا للمعنى ، هذه السببية بين اللفظ والمعنى في عالم الوجود الذهني ، كيف حصلت؟ وبأي نحو نشأت من الواضع؟ هذا هو معنى البحث عن حقيقة الوضع ، وفي هذا البحث يوجد ثلاثة مسالك :
١ ـ مسلك التعهّد.
٢ ـ مسلك الاعتبار.
٣ ـ مسلك الجعل الواقعي.
وسوف نتكلم في كل واحد من هذه المسالك مع مناقشته.