وهذا غير معقول ، لأن اللحاظ هو الوجود الذهني. فإذا كان المعنى الحرفي له نحوان من اللحاظ في الذهن ، إذن فيكون له نحوان من الوجود الذهني ـ وجود ذهني تبعي وهو اللحاظ الآلي ، ووجود ذهني استقلالي وهو اللحاظ الاستقلالي ـ.
وبناء على هذا يلزم أن يكون لمعنى الحرف نحوان من الوجود في الخارج أيضا ، مطابقا للذهن ، لأنّ الوجود الذهني مطابق للوجود الخارجي. فإذا تعقلنا أن يكون لمعنى (من) نحوان من الوجود في الذهن ـ استقلالي وتبعي ـ ، فلا بدّ وأن يكون له نحوان من الوجود في الخارج أيضا ـ وجود استقلالي تارة ووجود تبعي أخرى ـ ، مع أن معاني الحروف وهي النسب والروابط ، ليس لها في الخارج وجود استقلالي أصلا ، بل وجودها متمحض في الخارج بالوجود التبعي والاندكاكي ، والظلي. إذن فلا محالة أيضا يكون وجودها الذهني متمحضا في الوجود التبعي الظلي الاندكاكي ، ولا يكون لها نحوان من الوجود في الذهن.
وهذا البرهان الذي ذكره المحقق الأصفهاني ، كأنه مبني على أصل موضوعي ، وهو أن أنحاء الوجود الخارجي لا بدّ وأن تكون بقدر أنحاء الوجود الذهني ، فإذا كان للمعنى نحوان من الوجود في الذهن ، فلا بدّ وأن يكون له نحوان من الوجود في الخارج ، وحيث أن معاني الحروف ، وهي النسب ليس لها نحوان من الوجود في الخارج ـ إذن ليس لها وجود استقلالي في الخارج أصلا ـ فيلزم أن لا يكون لها وجود استقلالي في عالم الذهن أيضا.
وهذا الأصل الموضوعي بلا موجب في المقام ، لأنه قد يكون للشيء نحو من الوجود في الذهن. ولا يكون له ذاك النحو من الوجود في الخارج ، من قبيل الأعراض ، فمثلا : البياض الذي هو مفهوم اسمي بلا إشكال ، وليس من الحروف ، فهو بحسب عالم الذهن له نحوان من الوجود ، فإنه كما يوجد في ضمن تصور الجسم الأبيض ، كذلك يوجد البياض في نفسه ، فالإنسان