والحال إنه لا إشكال في عدم صحة مثل هذا الاستعمال ، فيكشف ذلك عن التباين الذاتي بين معنى الإسم ، ومعنى الحرف.
وهذا الاعتراض اعترض به السيد الأستاذ (١) ، والمحقق النائيني (٢) (قدسسره) ، على صاحب (الكفاية). ولكن إذا فكرنا بحسب الترتيب المشهوري ، في باب الوضع والدلالات ، يمكن الجواب عليه بنحو يندفع هذا الإشكال عن صاحب الكفاية ، ولتوضيح ذلك نقول :
إنّ صحة استعمال اللفظ في معنى مجازا ، ودلالته عليه بنحو المجاز ، هذا فرع أن يكون له دلالة في الوقت نفسه على المعنى الحقيقي. فإنّ اللفظ إذا كان له دلالة بالفعل على المعنى الحقيقي ببركة الوضع ، حينئذ ينشأ من دلالته الوضعية هذه دلالة أخرى بالمناسبة واللياقة على ذاك المعنى القريب من المعنى الموضوع له ، فيصح عندئذ استعماله في ذاك المعنى المناسب.
إذن فصحة استعمال اللفظ في المعنى المناسب ، ودلالته عليه ، موقوف على أن يكون للّفظ دلالة على المعنى الآخر الحقيقي ، وبتبعه ينشأ له دلالة على المعنى المناسب ، وحينئذ بناء على هذا إذا ادّعينا في المقام ما إدّعاه صاحب الكفاية (قدسسره) من أنّ الواضع أخذ اللحاظ بشكليه قيدا في الوضع نفسه ، وفي العلقة الوضعية نفسها ، بأن وضع لفظة (من) للابتداء حينما قيد الوضع نفسه بحالة اللحاظ الآلي ، حينئذ إذا لم يكن هناك لحاظ آلي ، بل كان لحاظ استقلالي ، كما هو الحال في موارد استعمال الأسماء ، فهنا في هذا الوقت ، العلاقة الوضعية بين (من) والابتداء ، غير موجودة ، لأنها مشروطة باللحاظ الآلي ، وهو غير موجود ، والمشروط عدم عند عدم شرطه.
إذن ففي شخص زمان اللحاظ الاستقلالي لفظة (من) ليس لها علاقة وضعية مع الابتداء ، فلا دلالة لها على معناه الحقيقي ، وعليه فلا دلالة مجازية
__________________
(١) محاضرات فياض ج ١ / ص ٥٧.
(٢) فوائد الأصول / الكاظمي ج ١ / ص ١٨.