العنوان والمعنون حتى يقال هذا يغفل عن العنوان ، ويلتفت إلى المعنون ، ليس هناك معنون في الذهن ، وإنما هو العنوان والمفهوم فقط :
إذن فما معنى الإفناء والاندكاك! :
فمعناه إذن أن هذه الصورة الذهنية للنار التي هي موجودة في أفق الذهن ، لها لحاظان : باللحاظ الأولي التصوري هي نار ، وباللحاظ الحقيقي التصديقي الذي يبرز حقيقتها هي صورة ذهنية وليست نارا هي من مقولة الكيف.
إذن فهناك نظران نحو هذا الشيء الواحد : فتارة ينظر إليه بالنظر التصوري فهي نار ، وأخرى ينظر إليه بالنظر التصديقي الذي يكشف عن حقيقة هذه الصورة فهي صورة وخيال ووجود ذهني ، وليست نارا.
إذن فمعنى الإفناء حينما نقول ـ النار محرقة ـ ، لا نستعمل النظر الثاني ، بل نستعمل النظر الأول ، لأن النظر الثاني يكشف حاق هذه الصورة ، ويكشف حقيقتها ، فلو استعملنا هذا النظر ، لما قلنا محرقة ، بل لقلنا إنها مؤنسة ـ فكر ، علم ، كيف نفساني ـ. إذن فلا بد من ترك هذا النظر ، والاكتفاء بالنظر التصوري ، وهذا هو حقيقة الفناء في هذا القسم.
وأكثر من ذلك نقول : بأن في هذا القسم ، وفي هذا المعنى للفناء ، ليس هناك فناء ، بل هناك غض عن نظر ، واستعمال لنظر آخر ، فمتى ما أردنا أن نقول ـ النار محرقة ـ توجهنا إلى النار بالنظر التصوري ، ومتى ما أردنا أن نقول ـ النار فكري وجزء من ذهني ـ توجهنا إليها بالنظر التصديقي ، وهذا المعنى للفناء ، وهو الغض عن نظر واستعمال آخر ، أمر معقول وصحيح ، وهو الموجود في المفاهيم الاسمية.
المعنى الثاني : وهو قسم آخر من الفناء ، وهو ليس فناء العنوان بالمعنون الخارجي ، بل هو فناء مفهوم في مفهوم واندكاك معنى في معنى ، وهذا هو الذي يدّعى عادة في الحروف بأن معنى (من) هو الابتداء الملحوظ