في غير ما إذا كانت في البين خاص متقدم ، وأمّا مع وجوده واستلزام نسخه بالعام فإنه لم تقم السيرة المذكورة على حجية العام والعمل به.
والحاصل هو ، إنّه أساسا ، دليل حجية هذه العمومات لا إطلاق فيه لهذه الحالة ، وهذا بخلاف دليل حجية الإطلاق الأزماني ، حيث لم يعلم انّه من ديدن الشارع فيه الاعتماد على القرائن المنفصلة ، لندرة النسخ ، وعليه : فيبقي مشمولا لدليل الحجية الذي هو السيرة العقلائيّة ، وهذا هو وجه تقديم الإطلاق الأزماني على الإطلاق الأفرادي.
وهذا الجواب ، أحسن من سابقه ، لأنّه لا يرد عليه كل ما ورد على السابق.
إلّا أنّ هذا الجواب مبني على سقوط العمومات التي تكون في معرض التخصيص عن الحجيّة رأسا عند العقلاء.
وكنّا قد أوضحنا سابقا انّ العام الذي هو في معرض التخصيص ، إذا لم يعثر بالفحص عن مخصّصه فإنّه يخرج من دائرة المعرضيّة ، وقد عرفت انّ دعوى سقوطه عن الحجية رأسا لا موجب لها.
التقريب الثالث للجواب الثاني : هو أن يقال : لو سلّمنا انّ هذه العمومات التي هي في معرض التخصيص قد انعقدت السيرة العقلائية على حجيتها إذا سلمت من هذه المعرضيّة.
لكن سلامة هذه الحجيّة ، مع وجود خاص متقدم صالح لتخصيص هذه العمومات ، هو أوّل الكلام ، إذ تسلم حجية العام عند عدم وجود خاص صالح لتخصيصه ، وأمّا مع وجود خاص واحتمال كونه مخصصا عند العقلاء يكفي في سقوط إطلاق العام عن الحجية ، وهذا بخلاف إطلاق الخاص ، فإنّه سالم عن المعرضية لندرة النسخ ، وعليه : تكون المعارضة بينهما ، معارضة بين الحجة واللّاحجة ، وذلك لسلامة حجية إطلاق الخاص ، وعدم سلامة حجية إطلاق العام ، وهذا التقريب أرقى من سابقيه.