وبهذا ينحل الإشكال في الصيغة الأولى.
وكذلك ، تحل المشكلة بصيغتها الثانية ، حيث لا يبقى تساؤل عن نكتة الحجيّة وملاكها ، وكيفيّة بقائها بعد انثلام العام ، إذ يصبح هذا التساؤل من باب السالبة بانتفاء موضوعها ، لأنه تبيّن أنّ الظهور في العموم على حاله لم ينثلم ، فتبقى حجيّته ، ويكون التخصيص على أساس هذه المحاولة ، من التخصّص دائما كما عرفت.
٢ ـ المحاولة الثانية : في الجواب ، لحل هذه المشكلة المتقدمة ، هي ، للمحقق الخراساني (١) (قده) ، وحاصل هذه المحاولة ، هو أن كل كلام له إرادتان.
أ ـ إرادة استعمالية : وهي إرادة المتكلم إخطار المعنى في ذهن السامع ، وهو عبارة عن مجرد تصور المعنى ، وهذا المسمّى بالمدلول الاستعمالي.
ب ـ إرادة جدية : وهي جعل الحكم في نفس المتكلم ، أو قل : إنها عبارة عن احتواء نفس المتكلم لجعل الحكم مثلا في مورد الجملة الطلبية ، أو التمني في مورده ، وهكذا ، ومحل كلامنا الجملة الطلبية.
وهاتان الإرادتان قد تنفك إحداهما عن الأخرى كما لو قال هازلا : «أكرم كل الناس» ، فهنا الإرادة الاستعمالية موجودة ، لكن الإرادة الجدية غير موجودة ، لأنه لا يوجد حكم حقيقي بوجوب الإكرام ، ولأجل هذا صحّ القول : بأنّ الكلام له دلالتان تصديقيتان وراء الدلالة التصورية الوضعية البحتة التي هي أبسط الدلالات ، والتي هي عبارة عن انتقاش المعنى في الذهن لمجرد سماعه حتى لو سمع من اصطكاك حجرين ، وملاك هذه الدلالة الوضع ، لأنها من شئونه.
وهاتان الدلالتان هما : الدلالة التصديقيّة الاستعمالية : وهي عبارة عن
__________________
(١) كفاية الأصول ـ الخراساني ـ ج ١ ـ ص ٣٣٥ ـ ٣٣٦.