الأنس ، لا يسمعون إلا كلام حبيبهم ، ما يهيّجهم إلا قربه ووصاله ، والشوق إلى جماله ؛ ليغنيهم بنفسه عن كل مأمول ، قال سبحانه : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَلا كِذَّاباً (٣٥) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً.)
قال بعضهم : فوزهم على قدر قصودهم ونيّاتهم.
قال الشبلي : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً) أي : كلاما إلا من الحق ، فإنه إذا ظهرت الحقيقة خنست المقادير ، وصار الكل هباء في جنب الحقائق ، ومن تحقق بالحق في الدنيا لا يسمعه الحق إلا منه ، ولا يشهده سواه ؛ لأنه مستغرق في معادن التحقيق ، قال الله : (لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً.)
قال بندار بن الحسين : الجزاء إذا كان من الله لا يكون له نهاية ؛ لأنه لا يكون على حد الأعواض ، بل يكون فوق الحدود ؛ لأنه ممن لا حد له ولا نهاية ، فعطاؤه لا حد له ولا نهاية.
قال بعضهم : العطاء من الله موضع الفضل لا موضع الجزاء ، والجزاء على الأعمال والفضل موهبة من الله ، يخصّ به الخواص من أهل وداده.
قوله تعالى : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٣٨) : من كان كلامه في الدنيا من حيث الأحوال ، والأحوال من حيث الوجد ، والوجد من حيث الكشف ، والكشف من حيث المشاهدة ، والمشاهدة من حيث المعاينة ، فهو مأذون في الدنيا والآخرة ، يتكلم مع الحق على بساط الحرمة والهيبة ، ينقل الله به الخلائق من ورطة الهلاك.
قال ابن عطاء : «الخالص» : ما كان لله ، و «الصواب» : ما كان على السنة.
قال الواسطي لأهل الحق : (وَقالَ صَواباً) ، لما كان إليهم من برّه ، فمن كان مأذونا في الكلام ، كان موفّقا على قدر علمه.
قال الأستاذ : إنما يظهر الهيبة على العموم لأهل الجمع في ذلك اليوم ، وأما الخواص وأصحاب الحضور فهم أبدا بمشهد العز بنعت الهيبة لا نفس لهم ، ولا فرحة أحاط بهم سرادقها ، واستولت عليهم حقائقها.
سورة النازعات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالنَّازِعاتِ غَرْقاً (١) وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً (٢) وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً (٣) فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً (٤) فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً (٥) يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ (٦) تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ (٧) قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ