قوله تعالى : (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللهِ أَحَدٌ) : أمره بإظهار تلاشي الكون في عظمته ، وغلبة قهر سلطانه على الكائنات جميعا ، وهذا رؤية فردانية الحق بنعت الاستغراق في بحار كبريائه.
قال القاسم : هذه لفظة تدل على إخلاص التوحيد ؛ إذ التوحيد هو صرف النظر إلى الحق لا غير ، وهذا لا يصح إلا بالإقبال على الله ، والإعراض عمّا سواه ، والاعتماد عليه دون ما عداه.
(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً (٢٧))
قوله تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) : ستر الله أنوار غيبه من جميع الخلق إلا من أرواح النبيين والمرسلين ، وعقول الصدّيقين وقلوب العارفين ، وأسرار الموحدين هم مستشرقون بالله على غيب الله ، وهم أهل مكاشفات صحيحة ، وفراسات صادقة ، ومشاهدات واضحة.
قال بعضهم : أخفى الحق الغيب عن الخلق ، فلم يطلع عليه أحدا من عباده إلا الأولياء على طرف منه بأخبار صدق أو تلقف من الحق والأولياء ، والأمناء أصحاب الفراسات الصادقة ، فإنهم ينظرون بنور الغيب ، فيحكمون على الغيب.
(لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً).
قوله تعالى : (وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) : أظهر قهر سلطان جبروته على كل ذرة من العرش إلى الثرى ، فإنه موجد الأشياء ، والعالم بها قبل إيجادها ، ظاهرا وباطنا ، صغارا وكبارا.
قال القاسم : هو أوجدها ، فأحصاها عددا.
سورة المزمل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً (٢) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً (٣))
(يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (١) قُمِ اللَّيْلَ) : إن الله سبحانه اشتاق إلى مناجاة حبيبه صلىاللهعليهوسلم ، فناداه أن يقوم في أجواف الليالي بحسن الإقبال ، ونعت الاستقامة في مشاهدته ، فإنه المقام المحمود