سورة العلق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ (٥) كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى (١٣) أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرى (١٤) كَلاَّ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ (١٥) ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ (١٦) فَلْيَدْعُ نادِيَهُ (١٧) سَنَدْعُ الزَّبانِيَةَ (١٨) كَلاَّ لا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ (١٩))
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) : كان صلىاللهعليهوسلم شاهدا في الحضور ، غائبا عن الرسوم ، تحوّل حول الحقائق ، وتكتّم أسرار المعرفة ، لا يتحدث بحديث العشق ، ولا يرمز بلطائف الحب ، كان مستغرقا في القرب ، كأنه جعل نفسه في جانب عن الأجانب ، في حواس عن تلك القصة ، معرضا مراقبا عاشقا ، كأنما كان لم يكن له خبر ، وهو كان في محل العيان ؛ لكن لم يكن في البيان ، أقبل بالسرّ نحو المراد ، وإن لم يكن هناك في المراد قرع الحق باب قلبه ؛ لأنه هو المريد ، والحبيب هو المراد ، الأحد طالب ، وأحمد المطلوب ، لا جرم الطلب منه نداء ؛ إذ أوحى إليه قبل طلبه ، فقال : (اقْرَأْ) ، كأنه كان قارئا ؛ إذ شاهد الأدنى الحق بالحق في الأزل ؛ ولكن كان غائبا عن المحضر الأعلى لشهوده الأدنى ، فقال : «ما أنا بقارئ» (١) : يعني : أنا لا أقرأ غير الثناء عليه ، قال : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) ، أخذه بالاسم ، وكشف على ظاهر المعرفة ، ثم بان المسمّى له ، بقوله : (رَبِّكَ) ، ثم غيّبه في الغيب ، وحيّره في الهوية بتحقيق الإشارة ، بقوله :
(الَّذِي) ، فلمّا غاب في الغيب أخذ يده من استغراقه في بحر الأزل ، وأحضره ساحة أنوار الصفات في مشاهد الأفعال ، بقوله : (الَّذِي خَلَقَ) ، هكذا فعل بالمرادين ، وجعل الطالبين حيارى في طلبهم ، ألا ترى شأن موسى عليهالسلام كيف أقبل عليه في طلبه ، فناجاه بعد أربعين يوما ؛ لأنه كان مريدا ، والمصطفى صلىاللهعليهوسلم كان مرادا ؛ لذلك ناجاه بالبديهة ، إظهارا لحبه البالغ ، واصطفائيته الكاملة.
قال الخليل : (إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي) ، والكليم قال : (وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضى)
__________________
(١) رواه البخاري (١ / ٤) ، ومسلم (١ / ١٤٠).