قوله تعالى : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ.)
ما نقول في من اسمه تقدّس عن إدراك الأوهام ، وإشارة العقول ، إذ اسمه نعت والنعوت صفات ، والصفات قائمة بالذات ، فمن عجز عن إدراك حقيقة اسم الموصوف القديم كيف يصل إلى العلم بوجود المسمّى! وهو أجلّ من أن تحيط بقدس جلاله الأفكار ، أو تحوى ذرة من نعوته الأذكار ، جلاله حيّر عقول العارفين في ميادين عزّته ، وأغرق أرواح الموحدين في بحار عظمته ، وأفنى أسرار الواصلين في شامخات كبريائه ، اسمع معاني قدسه كيف فعلت بشاهد الحق في مشاهدته عليه الصلاة والسلام ، حيّرته في أدوية الجلال ، وأغرقته في «قلزم» الجمال ، وكشفت له عين العين ، وسلسلة من الأين ، فبان له ما بان من عيون الألوهية ، وبهاء القديم ، والبقاء ما أسكنه عن وصف قدسه ؛ حيث قال أفصح العالمين صلوات الله وسلامه عليه من حقيقة الحيرة وساحات العزة بقوله صلىاللهعليهوسلم :
«لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (١) ، ذكره سبحانه بذكر الجلال لطيب قلوب الوالهين ، بأن يكشفه لعيونهم ، وأبصارهم ، وأرواحهم ، وأسرارهم ، وقلوبهم ، وعقولهم ؛ ليريحهم من تراكم الأحزان ، وظلمة هذه الأشجان ، ويبلغهم إلى مجالس الإحسان ، وكشف العيان.
قال بعضهم : (تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ) أي : جل ربك ، وعظم قدره عما يقول فيه الموحدون والمبطلون جميعا ؛ لأن كل شيء يثنى عليه بقدره ، وكل ذاكر يذكر على مقدار طاقته ، وطبعه ، وعلمه ، وفهمه ، والحق تعالى ذكره خارج عن أوهام الآدمين ؛ لأن الثناء والمعارف دون الغايات ، فسبحانه وتعالى ما أثنى عليه حق ثنائه غيره ، ولا وصفه بما يليق به سواه ، عجز الأنبياء بأجمعهم عن ذلك ، حتى قال أجلهم قدرا وأرفعهم محلّا صلى الله عليه وعليهم أجمعين : «لا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك» (٢).
سورة الواقعة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١) لَيْسَ لِوَقْعَتِها كاذِبَةٌ (٢))
(إِذا وَقَعَتِ الْواقِعَةُ) (١) : واقعة كل صاحب قلب حين وقعت عليه أنوار المعارف ،
__________________
(١) رواه مسلم (١ / ٣٥٢).
(٢) تقدم في سابقه.