عليهم من آثار فضله.
وقال سهل : «الودود» المجيب إلى عباده بإسباغ النعم عليهم ، ودوام العافية.
قوله تعالى : (ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ) : وصف نفسه بإيجاد أعظم خلقه وهو العرش ، ثم وصف نفسه بالشرف والتنزيه والقدس إعلاما بأنه كان ولا مكان ، والآن ليس في المكان ؛ إذ جلاله وجماله منزّه عن مماسة المكان والحاجة إلى الحدثان.
قال الواسطي : هو أعلى من أن يكون له فيه ، وإليه حاجة ، بل أظهر العرش إظهارا للقدرة ، ولا مكان للذات.
قال سهل : «العرش» : جماع جلال الشرف.
قوله تعالى : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) (١) : كان مريدا في الأزل بإرادته ، منزّها عن أن يحدث فيه إرادة ثانية ، والإرادة مقدمة على الفعل ؛ إذ الإرادة قديمة ، والفعل منه إيجاد الخلق لا شريك له في إرادته ، ولا في إيجاد خلقه ، فإذا الإرادة زائلة ، والخواطر عليلة ، والتدابير مضمحلة عند ظهور إرادته ، يختص برحمته من يشاء بمعرفته ، وإن كان فارّا من بابه ، ويخذل من يشاء من قربه ، وإن كان متزهدا بزهده.
قال بعضهم : (فَعَّالٌ لِما يُرِيدُ) (١٦) : في إظهار ربوبيته وألوهيته.
سورة الطارق
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ (١) وَما أَدْراكَ مَا الطَّارِقُ (٢) النَّجْمُ الثَّاقِبُ (٣) إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ (٤) فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ (٧) إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ (٨) يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ (٩) فَما لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَلا
__________________
(١) قال القشيري : إن أراد أن يجعل أرباب الأرواح من أرباب النفوس فهو قادر على ذلك ، وهو عادل في ذلك ، وإن أراد عكس ذلك فهو كذلك فلذا كان العارف لا يزول اضطراره ، ولا يكون مع غير الله قراره ، هل أتاك حديث الجنود ، أي : جنود النفس التي تحارب به الروح لتهوي بها إلى الحضيض الأسفل ، ثم فسّرها بفرعون الهوى ، وثمود حب الدنيا ، والطبع الدني ، بل الذين كفروا بطريق الخصوص في تكذيب ، لهذا كله ، فلا يفرقون بين الروح والنفس ، ولا بين الفرق والجمع ، والله من ورائهم محيط ، لا يفوته شيء ، لإحاطة المحيط بالأشياء ذاتا وصفاتا وفعلا ، بل هو أي : ما يوحي إلى الأسرار الصافية ، والأرواح الطاهرة قرآن مجيد في لوح محفوظ عن الخواطر والهواجس الظلمانية ، وهو قلب العارف.