خلق أن يكون مربوطا ، وإن علت أحواله وعظمت أخطاره ، فإن الانقطاع علامة الارتباط بما دونه من خلقه وفلقه.
قال محمد بن حامد في قوله : (مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ) (٢) : أعلمك أن الخلق كلهم موصوفون بالبشرية ، وأن الخير الذي لا شر فيه هو الذي خلق الخلق على هذه الصفة.
سورة الناس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦))
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) (١) : أمر حبيبه صلوات الله وسلامه عليه بالاستعاذة به ، وبيّن أن مربّى الناس مزيّن آدم وذريته بزينة أنوار صفاته.
(مَلِكِ النَّاسِ) (٢) : بأنه أعطاهم ملكا أوّله معرفته ، وملك قلوبهم بجمال مشاهدته.
(إِلهِ النَّاسِ) (٣) : حيث أرواحهم بسنا قدسه في رياض أنسه.
(مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ) : للوسوسة مراتب : الأولى : هواجس النفس الأمّارة ، والثانية : وسوسة الشيطان ، والثالثة : وسوسة جنود القهريات ، وموضع هذه الوساوس الصدر ؛ لأن القلب موضع العقل ، والروح اللطيفة والتجلّي والخطاب والمشاهدة ، وهو مصون برعاية الحق ، فأمّا «وسوسة النفس» : فتكون في طلب الشهوات والحظوظ ، وأما «وسوسة الشيطان» : فتكون في الكفر والطغيان والبدع ، وأما «وسوسة القهر» : فتذر وسوسة النفس والشيطان ألقاها الحق في أرض الصدور ؛ لامتحان عباده وغيرة الأزل ، منعهم بهذه الوساوس عن مشاهدة الكل ، فإذا أراد بلطفه وصولهم إليه ينكشف لأسرارهم سبحات جمال عظمته ، فيهب في صحاري قلوبهم مثال جماله ، فيكشف عن قلوبهم وصدورهم الوساوس ، وظلمة الهواجس ، وذلك قوله : (الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) (٦).
ثمّ بيّن أن الوسوسة تأتي من الشيطان تارة بلا واسطة ، وتارة بالواسطة ؛ إذ لم يقدر الملعون أن يوسوس في صدره من غلبة نور التوفيق والمشاهدة ، وظهارة الكفر وصفاء الذكر ، وعار عليه في مقام غراة بعض شياطين الإنس ، ويدعوه بلسانه إلى بعض الشهوات أو البدع والأهواء ، فيوقعه إلى الحجاب ، فأمر الله حبيبه أن يستعيذ به من وسوسة شياطين الإنس