قال سهل : جنوده ترد على الأسرار ، وترد على الظواهر ، وجنده في السرائر صحة عقد الإيمان في القلب وشرحه به ، وما يتولد فيه من صحة إيمانه والتوكل وما يريد فيه بتوكله ومحبة الله تعالى ، فإذا نزلت المحبة في القلب وسكنت فيه طهّرها من كل ما سواه ؛ فإن المحبة لا يسكن معها ما يضادها ، وجنوده في الظواهر هو أن يوفقه بالقيام إلى العبادات والأوامر على حدود السنن والتبرؤ من الحول والقوة لما يتقن من حسن قيام الله لعبده بالكفاية في كل أسبابه ، ثم أنه سبحانه لما وصف صنائع لطفه بأنبيائه وأوليائه نزّه نفسه أن يلحق به وبتنزيه جلاله علل كل حادث ووصف كل واصف وحمد كل حامد ؛ حيث قام حمده وتنزيهه مقام أداء حقوق ربوبيته على أهل العبودية بقوله تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) (١٨٠) ، ضاق صدر سيد المرسلين عن مقالة أهل الزور والبهتان من الكفرة في حق جلاله ، فواسى الله قلبه بقوله : (سُبْحانَ رَبِّكَ) شرفه مخاطبة المواجهة وإضافة تربيته إليه ، ثم وصف نفسه بالعزة المنيعة من كل إشارة إليه ، ثم أظهر مننه على أهل عرفانه من الأنبياء والمرسلين والأولياء والصديقين بسلامه عليهم بقوله : (وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ) (١٨١) ، وحمد نفسه بما وهب لهم من سنيات القربة وحقائق المشاهدة والمكاشفة بقوله : (وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ) (١٨٢) ؛ حيث لا يقوم حمد الحامدين مقام حمده له.
سورة ص
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ (١) بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ (٢) كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ فَنادَوْا وَلاتَ حِينَ مَناصٍ (٣) وَعَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقالَ الْكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ (٥) وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلى آلِهَتِكُمْ إِنَّ هذا لَشَيْءٌ يُرادُ (٦) ما سَمِعْنا بِهذا فِي الْمِلَّةِ الْآخِرَةِ إِنْ هذا إِلاَّ اخْتِلاقٌ (٧))
(ص) : هذا الحرف من كنوز إشارات الحق إلى حبيبه عليه الصلاة والسلام ؛ حيث صادف بنعت الوصال الذي يفنى عنه بصولة صدمات الأزلية عند كشوف قهر القدم صفات الحدثية ، حتى صار صدق جواهر أسرار الربوبية في بحار الذات والصفات ، واصطاده الحق بزمام محبته من صحاري البريات ، وصفّاه بصفاء عن كدورات الكون ، فكان صفوا من بحر النبوة ، صاحبا في مشاهدة البقاء بنعت صدق العشق في رؤية أنوار الكبرياء ، ما صدق عن