وقال فارس : منهم من سقاه شراب الهداية فهداه ، ومنهم من سقاه شراب الولاية فولاه ، ومنهم من سقاه شراب المعرفة فقربه وأدناه ، ومنهم من سقاه شراب التوحيد فستره وأواه.
قال أبو سليمان الداراني : سقاهم ربهم على حاشية بساط الود ، فأراهم من صحة الخلق ، وأراهم رؤية الحق ، ثم أقعدهم على منابر القدس ، وحيّاهم بتحف المريد ، وأمطر عليهم مطر التأييد ، فسالت عليهم أودية الشوق والقرب ، فكفاهم هموم الفرقة ، وحيّاهم بسرائر القربة.
وقيل : سقوا شراب المودة في كأس المحبة في دار الكرامة ، فسكروا بها ، فمشوا في ميدان الشوق ، ولم يقنعوا بشيء غير الرؤية.
وقال جعفر : شرابا طاهرا مطهرا صافيا ، ادخره في كنوز ربوبيته ، سقاه أولياءه في ميدان كرامته بكأس هيبته على منابر عزه ، فإذا شربوا سكروا ، وإذا سكروا طاشوا ، وإذا طاشوا اشتاقوا ، وإذا اشتاقوا طاروا ، وإذا طاروا بلغوا ، وإذا بلغوا وصلوا ، وإذا وصلوا اتصلوا ، وإذا اتصلوا أفنوا ، وإذا أفنوا أبقوا ، وإذا أبقوا صاروا ملوكا وسادة وأحرارا وقادة.
قوله تعالى : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) أي : في ولايته ونبوته ومعرفته ومحبته ، وفي كشف مشاهداته التي لا ينالها إلا بالاصطفائية الأزلية التي تزول عندها جميع الأسباب والسعايات وعلل الأعمال.
قال الواسطي : إن الله تعالى حكم بصفته على صفتك ، ولم يحكم بصفتك على صفته ، فقال : (يُدْخِلُ مَنْ يَشاءُ فِي رَحْمَتِهِ) (١) ، كما أن جميع الكون به ، كذلك جميع الصفات بصفاته ، وكما أنه بنفسه يصرّف النفوس ، لا النفوس تصرّفه على ما يريدون ، كذلك بصفته يصرّف الصفات ، والنعوت أجمع.
سورة المرسلات
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً (١) فَالْعاصِفاتِ عَصْفاً (٢) وَالنَّاشِراتِ نَشْراً (٣) فَالْفارِقاتِ
__________________
(١) قال ابن الخطيب : إن فسرنا الرحمة بالإيمان فالآية صريحة في أن الإيمان من الله تعالى ، وإن فسرناها بالجنة كان دخول الجنة بسبب مشيئته بسبب مشيئة الله تعالى وفضله ، وإحسانه لا بسبب الاستحقاق ؛ لأنه لو ثبت الاستحقاق لكان تركه يفضي إلى الجهل أو الحاجة ، وهما محالان على الله تعالى ، والمفضي إلى المحال محال ، فتركه محال ، فوجوده واجب عقلا ، وعدمه ممتنع عقلا ، وما كان كذلك لا يكون معلقا على المشيئة ألبتة. تفسير اللباب لابن عادل (١٦ / ١٥٦).