الصدق ، ولم يسأله النبي صلىاللهعليهوسلم عن كيفية ما أشار إليه ؛ لما عرف من صدقه وبلوغه المنتهى فيه ، ولما قصر حال حارثة عن حاله لما قال : «أصبحت مؤمنا حقّا» (١) ، فأخبر عن حقيقة إيمانه ، سأله النبي صلىاللهعليهوسلم عن ذلك لما كان يجد في نفسه من عظم دعواه ، ثم لما أخبر لم يحكم له بذلك ، وقال : «عرفت فالزم» (٢) : أي : عرفت الطريق إلى حقيقة الإيمان حتى تبلغ إليه ، وترى حال أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه مستورا من غير استخبار عنه ، ولا استكشاف ؛ لما علم من صدقه فيما ادّعى ، وهذا مقام حق اليقين.
سورة المعارج
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ (٢) مِنَ اللهِ ذِي الْمَعارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً (٥) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧))
(سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ (١) لِلْكافِرينَ) : هذا وصف أهل الأمل ، والظن الكاذب الذين يظنون أنهم يتركون في قبائح أعمالهم ، وهم لا يعذّبون.
قوله تعالى : (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) (٤) : افهم أن للملائكة والروح مقامات معلومة في عالم الملكوت ، فإذا عرجت الملائكة من مسقط الأمر إلى مصعد المعلوم يكون بيوم كان مقداره عندنا خمسين ألف سنة ، وهم يعرجون بأقل ساعة ، وليس للحق مكان ومنتهى ، إن الخلق يعرجون بل إن ظهور عزته وجلاله في كل ذرة عيان ، فإذا رفعت القرب والبعد من حيث المسافة وأدرجت الأوهام لم يكن بين الحق وبين الروح وصول الحق بأقل طرفة ، فإن الوصول منه وهى قريب غير بعيد.
قال سهل : تعرج الملائكة بأعمال بني آدم إلى الله ، والروح إليها ناظر في ذلك المشهد.
قوله تعالى : (فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً) (٥) : واسى قلب نبيّه صلىاللهعليهوسلم ، وأمره بالصبر الجميل ، وهو الصبر بالله لله في الله ، فإن نازله العذاب لمن مؤذيك يقع عليه نعته بحيث لا يقدر دفعها من جميع الوجوه ، فانظر إلينا ولا تنظر إليه ، فإنه مأخوذ.
__________________
(١) رواه الطبراني في الكبير (٣ / ٢٦٦).
(٢) رواه الطبراني في الكبير (٣ / ٢٦٦).