وقال عبد العزيز المكي في قوله : (فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) : لم يعلم المسكين بأي سهم رمى ، وبأي سيف قتل ، وبأي رمح طعن ، وبأي نار أحرق ، وفي أي جبّ ألقى ، ولو علم ذلك لما قال : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، بل مات ترحا وحزنا ، وتفتت كآبة وغمّا ، ولكنه ستر عليه ما عومل به حتى لم يجد من ذلك ألما وما أحس منه وجعا ، فلم يبال بما قيل له حتى قال لقلة مبالاته : (رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (٧٩) قالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (٨٠) إِلى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ) (٨١) ، فاغترّ المسكين بالمدة الطويلة ، ولم يعلم أن ما هو آت قريب ، ولا يزداد بطول المهلة إلا الذلة والتخيب ، وما وقع ههنا نكتة ؛ إنه كان في الأزل ذائقا طعم بعض الوصال في عالم اللطفيات ، ولم يكن مع الخبر من عالم القهريات شيئا ، فلما وصل إليه بطش قهر الجبروت استنظر حتى يخوض في بحار قهره ، كما غاص في بحار لطفه ؛ لكي لا يدركه في سعة رحمته ؛ ليستوفى سريات القهريات كاستيفائه شربات اللطفيات ، حتى يكون من كلا الجانبين على حظّ وافر من علومه وربوبيته ، وغلط المعلون ؛ لو وافق الأمر لوجد معاني الصفات والذات والقهريات واللطفيات على صورة الأنس والراحة كالأنبياء والأولياء والملائكة المقربين.
سورة الزمر
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّينَ (٢) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كاذِبٌ كَفَّارٌ (٣) لَوْ أَرادَ اللهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفى مِمَّا يَخْلُقُ ما يَشاءُ سُبْحانَهُ هُوَ اللهُ الْواحِدُ الْقَهَّارُ (٤) خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَيُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ (٥) خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ خَلْقاً مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ ذلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (٦))