قال ابن عطاء : سميع لدعوات عباده عليم بوجود مصالحهم.
وقال جعفر : السميع من يسمع مناجاة الأسرار ، والعليم من يعلم إرادات الضمائر.
(إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ (٢٢٧))
قوله تعالى : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَذَكَرُوا اللهَ كَثِيراً) أي : الذين شاهدوا الله بنعت الإيقان والعرفان ، وأصلحوا سرائرهم بتقديسها عما دون الله في قربة الله ، وذكروا الله كثيرا أي : سافروا بقلوبهم وأرواحهم وعقولهم في ميادين الآزال والآباد على مراكب الأسرار والأنوار بغير طريان الغفلة وهجوم الفترة ، وبفهم الذكر الكثير فناء الذاكر في المذكور بعد أن ينكشف له لوائح أنوار الأزلية والأبدية ؛ فهذا غاية المجهود من الذاكرين ، وفيه نكتة عجيبة أن الله سبحانه وصفهم بالذكر الكثير ، وما أخبر أنهم ذاكرون بالحقيقة ؛ لأن حقائق الذكر لا يقع للحدثان في قدم الرحمن ؛ لأن الذكر الحقيقي إحاطة ذكر الذاكر بالمذكور ، وهو مستحيل في حق الأزل ؛ لذلك قال الواسطي : من ذكره افترى ، وانتصارهم بعد أن ظلموا انتصارهم من نفوسهم الأمّارة حين جهلوا حقوق الله بالمجاهدات الكثيرة والرياضات.
قال الجنيد : الذكر الكثير هو دوام المراقبة في جميع الأحوال ، وطرد الغفلة عن القلب.
وقال أبو يزيد : الذكر الكثير ليس بالعدد ، ولكنه بالحضور دون العاهة والغفلة.
قال النصرآبادي : حقيقة الذاكر أن يغيب الذاكر عن ذكره بمشاهدة المذكور ثم تغيب مشاهدته في مشاهدته حتى شاهد حقّا.
ثم وصف الله سبحانه أهل الدعاوي الباطلة بأنهم يعلمون يوم القيامة منقلب دعواهم في مهوات البعد ، بقوله : (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (٢٢٧) حين عاينوا مقامات أهل الولاية ، وانقلبوا إلى معادنهم من الشقاوة.
قال ابن عطاء : سيعلم المعرض عنا ما الذي فاته منا.
قال الواسطي : ظلم نفسه من لا يراها في أسر القدرة ، وفي قبضة العزة ، فظن أنه مهمل في مصرفاته.
* * *
سورة النمل
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(طس تِلْكَ آياتُ الْقُرْآنِ وَكِتابٍ مُبِينٍ (١) هُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (٢)