قوله تعالى : (يَتِيماً ذا مَقْرَبَةٍ (١٥) أَوْ مِسْكِيناً ذا مَتْرَبَةٍ) (١٦) (١) : «اليتيم» : المنقطع عن مقام المواصلة ، و «المسكين» : العاشق المتحيّر الذي يتمرّغ في تراب بابه.
قال جعفر : هو ما يتقرّب به إلى ربك في تعهد الأيتام ، وتفقّدهم.
سورة الشمس
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَالشَّمْسِ وَضُحاها (١) وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢) وَالنَّهارِ إِذا جَلاَّها (٣) وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها (٤) وَالسَّماءِ وَما بَناها (٥) وَالْأَرْضِ وَما طَحاها (٦) وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها (٧) فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها (٨) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها (١٠) كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها (١١) إِذِ انْبَعَثَ أَشْقاها (١٢) فَقالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ ناقَةَ اللهِ وَسُقْياها (١٣) فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاها (١٤) وَلا يَخافُ عُقْباها (١٥))
(وَالشَّمْسِ وَضُحاها) (١) : أقسم الله بشمس جلال قدمه إذا ارتفعت من مشارق قلوب العارفين ، فنوّر بسنانها أسرارهم ، وأيضا أي : وشمس عرفانهم حين أشرقت بنور الإيقان ، وأورث لهم لطائف العيان والبيان ، وقمر صفاته إذا تتابعت أنوارها عقيب كشوف أنوار ذاته في فؤاد المقرّبين ، وأيضا أي : بقمر الإيمان إذا تلا شمس العرفان ، ونهار صباح الأزل إذا تجلّى لأرواح الموحدين والصدّيقين ، وليل تحيّر أهل الفناء في ميادين وحدانيته ؛ حيث لا يدركون منافذ درك الحقائق ، وأيضا أي : بليل قهريات عظمته إذا تغشى بعين الامتحان أفئدة الطالبين والمطلوبين ؛ لأن الكل في ضرب هذا البلاء ، حتى قال سيد الورى صلىاللهعليهوسلم : «إنّه ليغان على قلبي» (٢) ، وسماء قلوب المحبّين فيها أبراج الغيوب تسري فيها نيّرات كشوفات الملكوت والجبروت وما بينهما ، أقسم بالفعل ، ثم بالصفة ، ثم بالذات ، وجميعها خبر عن عين الجمع في الحقيقة ، وفي عين التفرقة من حيث رسم الحقيقة ، وأرض عقول العارفين التي هي مساقط شروق أنوار المشاهدة ، بقوله : (وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها) ، والذي بسطها لنزول مهاد
__________________
(١) أي : ذا فقر ، يقال : ترب فلان : إذا افتقر والتصق بالتراب ، ومن قرأ «فك» و «أطعم» بصيغة الماضي فبدل من «اقتحم».
(٢) تقدم تخريجه.