الربوبية عليها ، وبالذي باشرها بنور الفعل والصفة والذات ؛ ليجري فيها أنهار الكواشف والمعارف ، وينبت فيها أزهار المحبة ، وأثمار الحكمة ، ورياحين الشوق ، والعشق وياسمين المودة ، والزلفة ، والنفس الناطقة العارفة التي صورها بصورته ، وألبسها نعته ، ووصفه في مدارج الغيوب ، وأسكنها في بطون القلوب ، ومن سوّاها بتسوية الصفة ، ورقّمها بنور الأزلية ، سبحان المقدس عن كل شوب من العرش إلى الثرى! ثم بيّن أنه تعالى عرّفها طرق لطفيات الذّات ، وقهريات الصفات بنفسه بلا واسطة ، بقوله : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) (٨) ، عرّفها أولا طريق القهر حتى عرفت المهلكات ، ثم عرّفها طريق اللطف حتى عرفت معالجتها من المنجيات ، والمقصود منها : عرفانها عين الحق بطريق القهر واللطف حتى تكلّ في معرفة صانعها.
قال القاسم : ألهم أهل السعادة التقوى ، وأهل الشقاوة الفجور.
وقال الواسطي : ألهمها فجورها وتقواها من غير تعلّم من المخلوقين من غيب إلى غيب.
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها (٩) وَقَدْ خابَ مَنْ دَسَّاها) (١٠) أي : فرّ عن العذاب والحجاب من زكّاه الله في الأزل من خذلانه بفوز مشاهدته ، وخاب من أحمله في الأزل بالشقاوة والحرمان عن مشاهدة الرحمن.
قال ابن عطاء : أفلح من وفّق لمراعاة أوقاته.
قال أبو بكر بن طاهر : أفلح من طهّر سرّه عن التدنس بالدنيا ، وخاب من أشغل سره بها.
وقال بعضهم : أفلح من أقبل على ربّه ، وخاب من أعرض عنه.
وقال الواسطي : أفلح من زكّاه الله بالإلهام ، وخاب من دسّاها بالإبعاد.
قوله تعالى : (وَلا يَخافُ عُقْباها) (١٥) : الخوف لمن لا يعرف عواقب الأمور ، وهو منزّه عن أن يكون في حكمته خلل ، أو لذاته وصفاته ضرر ، فإنّه تعالى من خصّه بالاتصاف بصفاته ، والتجلي بأنوار ذاته ، قد أسقط عنه خوف الدارين ، فلا يخاف من الله بالله ؛ لاستغراقه في الله.
قال الواسطي : من ألبسه نعوته لا يخاف عقباها ، كما لا يخاف الحق عقبى ما أجرى على خلقه ، فإذا اعترض عليه معرض يخاف الخوف من خوفه.