وسؤالهم أسرار الله ، فلا تنهرهم ولن لهم وألطف بهم.
وقال ابن عطاء في قوله : (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) : حدّث به نفسك ؛ كي لا تنسى فضلي عليك قديما وحديثا.
قال بعضهم : حدّث بنعمة ربك عليك ، فإنك لا تبلغ أقصاه ؛ لتعلم بذلك عجزك عن تعداد نعمه عليك ؛ لذلك قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «لا أحصي ثناء عليك» (١).
سورة الانشراح
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (١) وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ (٢) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣) وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ (٤) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً (٦) فَإِذا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (٧) وَإِلى رَبِّكَ فَارْغَبْ (٨))
(أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) (١) : شرح صدره ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ طلوع شمس جلال الحق فيه ، فأضاء منه روحه وقلبه وعقله ، وطار روحه في الأزل ، وطار عقله في الأبد ، وطار قلبه في الجبروت ، ونفسه في الملكوت ، فتولّى الحق شرح صدره بنفسه لا بغيره ، وذلك حين ظهر لسرّه ذاته القديم ، وصفاته الأزلية ، فصار موسعا مبسوطا بوسع الذات والصفات ، فشرحه يزيد إلى الأبد ؛ لأن جلال الحق لا نهاية له ، وكان صدره محل تجلّي الحق ، فبقي مع الحق في ساحة الكبرياء حيث لا حيث ولا زمان ولا مكان ، بل نور الذات في نور الصفات ، ونور الصفات في نور الذات ، فهو بين النورين محتجبا بأنوار الحقيقة عن أوهام الخليقة ؛ لذلك قال سبحانه : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) (٤) : رفع قدره عن إدراك كل إدراك ، وأعلى ذكره بذكره عن ألسنة كل وصّاف ، لا يصفه الأولون والآخرون بكمال وصفه ؛ لأنه كان منسلخا بأنوار الربوبية من أوصاف الحدوثية ؛ لذلك قال : (وَوَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ) (٢) ، وتلك الحدوثية أثقلت جناح همّته العلية الربانية ؛ حيث منعته عن الوصول بالكلّية ، بقوله : (أَنْقَضَ ظَهْرَكَ) (٣) ، فلما خفته عن ذلك جعله رفيع القدر بقدره ؛ لذلك قال : (وَرَفَعْنا لَكَ ذِكْرَكَ) ، وسّع صدره أولا بكشف المشاهدة ، فلما وصّل إليه أثقال سطوات الربوبية وثقّل
__________________
(١) تقدم تخريجه.