يجذب به قلوب العارفين إلى جمال مولاهم ، وهم الذين وصفهم الله بالخشية بقوله : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠) أي : من يخشى فراقي ، فيسلك مسالك وصالي بنعت الإقبال عليّ.
قال أبو بكر بن طاهر : عظهم ، فلا يتّعظ بموعظتك إلا أهل الخشية ، ألا تراه يقول : (سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى) (١٠).
قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى) (١٣) : هذا وصف أهل الدهشة تحت طوارق قهر ظهور الأزليات.
قال ابن عطاء : لا يموت ، فيستريح من غمّ القطيعة ، ولا يحيى فيصل إلى روح الوصلة.
قوله تعالى : (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) (١٤) : أفلح برؤية الله من زكّاه الله في الأزل من خذلانه.
قال الجريري : أفلح من ظهر من شهوات نفسه ، ومتابعة هواه ورعونات طبعه.
قوله تعالى : (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا) (١٦) : أقبل الخسيس على الخسيس ، والشريف على الشريف ، والرفيع من أقبل على الله ، وترك ما سواه ، فهذه وصية الله في كتبه لأنبيائه بقوله : (إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى) (١٨) (١) : في صحف إبراهيم الخروج مما سوى الله بنعت التجريد ، كما قال : (وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ) (١٩) أي : الإقبال على الله بقوله : (إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ) ، وفي صحف موسى سرعة الشوق إلى جماله ، والندم على الوقوف في المقامات عند تعريف الصفات ، بقوله : (تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ.)
سورة الغاشية
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ (١) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) تُسْقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاَّ مِنْ ضَرِيعٍ (٦) لا يُسْمِنُ وَلا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ (٧) وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناعِمَةٌ (٨) لِسَعْيِها راضِيَةٌ (٩) فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ (١٠) لا تَسْمَعُ
__________________
(١) إن هذا الوعظ لفي الصحف المتقدمة ، وكذلك في صحف إبراهيم وموسى وغيرهما ؛ لأنّ التوحيد ، والوعد والوعيد ، لا تختلف باختلاف الشرائع. تفسير القشيري (٨ / ص ٧٠).