صفته وتجلّي ذاته هناك بقوله : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) ، (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي.)
قوله تعالى : (وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) (٣) : مهّد سبيل الأرواح ، والقلوب إلى مشاهدته ، فهدى من يختصّ منها بالهداية إلى جماله ووصاله.
قال بعضهم : خلق الخلق ، فسوّى بينهم في الخليقة ، وميّز بينهم في اختصاص الهداية.
قال الواسطي : قدّر السعادة والشقاوة عليهم ، ثم يسّر لكلّ واحد من الطريقين سلوك ما قدّر عليه.
وقال الأستاذ : هدى قلوب العارفين إلى قدس نعته ، فراقبوه ، ثم شاهدوه ، وهدى الموحدين إلى علاء سلطانه في توحيد كبريائه ، فتركوا ما سواه.
قوله تعالى : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) أي : فلا تنساني بقراءتك ، فإن العبودية والاشتغال بها حجاب عن شهود العين.
قيل : كان يغشى الجنيد في مجلس أهل النسك من أهل العلوم ، وكان أحد من يغشى ابن كيسان النحوي ، وكان في وقته رجل جليل ، فقال يوما : يا أبا القاسم ما تقول في قوله عزوجل : (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى) (٦) ، فأجابه مسرعا كأنه تقدم السؤال قبل ذلك بأوقات.
قال الجنيد : لا ينسى العمل به ، فأعجب ابن كيسان إعجابا شديدا فقال : «لا تفضض الله فاك منك من تصدر».
(إِلاَّ ما شاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى (٧) وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرى (٨) فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى (٩) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى (١٠) وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى (١١) الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرى (١٢) ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَلا يَحْيى (١٣) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥) بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا (١٦) وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقى (١٧) إِنَّ هذا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولى (١٨) صُحُفِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى (١٩))
قوله تعالى : (إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَما يَخْفى) (٧) : السر والعلانية عنده سواء ؛ إذ هو يبصرهما بالبصر القديم ، ويعلّمهما بالعلم القديم ، وليس في القدم نقص بحيث يتفاوت عنده الظاهر والباطن ؛ إذ هناك الباطن هو الظاهر ، والظاهر هو الباطن ؛ لأن الظاهر ظهر من ظاهريته ، والباطن بطن من باطنيته ، يعلم ما جهر من بكاء العارفين وزفراتهم ، ويعلم خفيات ضمائرهم من تلهب نيران فؤادهم شوقا إلى جلاله وجماله.
قال محمد بن حامد : يعلم إعلان الصدقة ، وإخفائها.
قوله تعالى : (فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى) (٩) : تذكيره وصف جماله وجلاله ، كان